ومن تتبع الأدلة الشرعية الوارد فيها استعمال صيغة (كان يفعل) يجد أن بعضها يدل على عدم التكرار، والبعض يدل على التكرار، وقد رأيت البعض يقول أن الأصل فيها أن تستعمل للمرة الواحدة، والتكرار يحتاج لدليل، والبعض يعكس ويقول أنها تستعمل للتكرار إلا لدليل.
قال المرداوي في " التحبير" (5/ 2439): (قال البرماوي: والتحقيق ما قاله ابن دقيق العيد: إنها تدل على التكرار كثيرا، كما يقال: كان فلان يقري الضيف، ومنه كان النبي أجود الناس. الحديث. ولمجرد الفعل قليلا من غير تكرر، نحو: كان النبي يقف بعرفات عند الصخرات، وقول عائشة: كنت أطيب النبي لحله وحرمه. ولم يقع وقوفه بعرفة وإحرامه وعائشة معه إلا مرة واحدة. ومنه: ما في سنن أبي داود بسند صحيح عن عائشة، وهي تذكر شأن خيبر: كان النبي يبعث عبدالله بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص النخل. فهذا لا يمكن فيه التكرار؛ لأن فتح خيبر كان سنة سبع، وعبد الله بن رواحة قتل في غزوة مؤتة سنة ثمان).
الترجيح:
الأقوى عندي هو أن كان يفعل تدل على التكرار إلا لقرينة.
قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (19/ 166): (العام الذي كثرت تخصيصاته المنتشرة أيضا لا يجوز التمسك به إلا بعد البحث عن تلك المسألة هل هي من المستخرج أو من المستبقى وهذا أيضا لا خلاف فيه. وإنما اختلف العلماء في العموم الذي لم يعلم تخصيصه أو علم تخصيص صور معينة منه هل يجوز استعماله فيما عدا ذلك قبل البحث عن المخصص المعارض له فقد اختلف في ذلك أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما وذكروا عن أحمد فيه روايتين وأكثر نصوصه على أنه لا يجوز لأهل زمانه ونحوهم استعمال ظواهر الكتاب قبل البحث عما يفسرها من السنة وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم وهذا هو الصحيح الذي اختاره أبو الخطاب وغيره فان الظاهر الذي لا يغلب على الظن انتفاء ما يعارضه لا يغلب على الظن مقتضاه فإذا