فيقال: ينتقض هذا القول بمسألة العينة، كما لو باع رجل سلعة إلى أجل، ثم اشتراها نقداً بأقل من الثمن الأول، فإنه لا يجوز عند الحنفية، مع إمكان حمله على الصحة، وهما عقدان يجوز كل واحد منهما على الانفراد، ولم يجعلوا العقد الواحد ها هنا عقدين ليحملوه على الصحة، فكان هذا إفساداً لقولهم، ولو كان هذا أصلاً معتبراً لكان بيع مد تمر بمدين جائزاً: ليكون تمر كل واحد منهما بنوى الآخر، حملاً للعقد على وجه يصح فيه، ولا يفسد ... " (?).
ويمكن أن يدفع هذا الاعتراض بأن القصد إلى الربا جلي في مسألة العينة، فإن الرجل لما اشترى السلعة بثمن مؤجل، ثم باعها على نفس الرجل الذي باعها نقداً بثمن أقل، كان ذلك حيلة ليتوصل إلى القرض بفائدة، بخلاف مسألتنا هذه، والله أعلم.
ولذلك وافق الإمام أحمد الحنفية ولكن اشترط أن لا يتخذ ذلك حيلة على الربا في بيع ربوي بجنسه متفاضلاً بحيث يكون ما ضم إلى أحدهما مساوياً في القيمة لما ضم إلى الآخر.
قال ابن رجب: "ومن المتأخرين ... من شرط فيما إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي، جعلاً لكل جنس في مقابلة جنسه، وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره، لا سيما مع اختلافهما في القيمة، وعلى هذه الرواية فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا، وقد نص أحمد على هذا الشرط في رواية حرب، ولا بد منه" (?).