(6) وقال ابن قدامة أيضاً في الصفحة (29) من الجزء السابق الذكر نفسه: "ولو استأجر دابة ليركبها، أو يحمل عليها إلى مكان معين، فانقطعت الطريق إليه لخوف حادث، أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق فلكل واحد منهما فسخ الإجارة، وإن أحب إبقاءها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز".
وقال الكاساني من فقهاء الحنفية في الإجارة من كتاب بدائع الصنائع (ج 4 ص: 197) "إن الفسخ في الحقيقة امتناع من التزام الضرر، وإن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقد والشرع؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلاً لقلعها، فسكن الوجع يجبر على القلع، وهذا قبيح عقلاً وشرعاً".
هذا وقد ذكر فقهاء المذاهب في حكم الأعذار الطارئة في المزارعة والمساقاة والمغارسة شبيه ما ذكروا في الإجارة.
(7) قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بعده، وقرر كثير من فقهاء المذاهب في الجوائح التي تجتاح الثمار ببرد أو صقيع أو جراد أو دودة، ونحو ذلك من الآفات، أنها تسقط من ثمن الثمار التي بيعت على أشجارها ما يعادل قيمة ما أتلفته الجائحة، وإن عمت الثمر كله تسقط الثمن كله.
(8) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت عنه (لا ضرر ولا ضرار) وقد اتخذ فقهاء المذاهب من قوله هذا قاعدة فقهية اعتبروها من دعائم الفقه الكبرى الأساسية، وفرعوا عليها أحكاما لا تحصى في دفع الضرر وإزالته في مختلف الأبواب.
ومما لا شك فيه أن العقد الذي يعقد وفقاً لنظامه الشرعي يكون ملزماً لعاقديه قضاء؛ عملاً بقوله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ولكن قوة العقد الملزمة ليست أقوى من النص الشرعي