وهذا واضح أن ضمان العارية عند المالكية ضمان تهمة لا ضمان أصالة ينتفي لإقامة البينة على أن الهلاك بلا تعد ولا تفريط، أو كانت العارية مما لا يمكن إخفاؤها، وهذا دليل على أنها أمانة، ولكن إن كانت مما يغاب عليه لم تقبل دعواه بعدم تعديه ولا تفريطه إلا ببينة.
قال ابن عبد البر: "العارية أمانة غير مضمونة في الحيوان كله من الرقيق والدواب، وكذلك الدور، وكل شيء ظاهر لا يغاب عليه لا يضمن شيء من ذلك كله إلا ما تضمن به الأمانات من التعدي والتضييع، والخلاف لما استعير له إلى ما هو أضر عليه، وأما الحلي، والثياب، والآنية، والسلاح، والمتاع كله الذي يخفى هلاكه فإنه لا يقبل قول المستعير فيما يدعيه من ذهابه وهو ضامن له إلا أن تقوم له بينة على هلاكه من غير تفريط ولا تضيع ولا تعد" (?).
وقال ابن رشد: "ومنهم من قال: يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يقم على التلف بينة، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه، ولا فيما قامت البينة على تلفه من غير ضيعة، وهذا هو المشهور من قول مالك، وهو مذهب ابن القاسم، وأكثر أصحاب مالك، وأصح الأقوال وأولاها بالصواب لاستعمال جميع الآثار وصحته في النظر والاعتبار" (?).
° دليل المالكية على التفريق بين ما يغاب عليه وبين غيره:
رأى ابن رشد من المالكية أن هذا القول به تجتمع الأدلة والآثار, فهو يجمع بين أدلة القول الأول، وأدلة القول الثاني، فما روي عنه من وجوب ضمان