2- ولهذا كانت عنايتي بهذه المعالم النبوية التي شهدت مواطىء أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكانت له فيها أقوال وأفعال.. ألا يجدر بنا أن نستروح عبيرها، ونعيش معها لحظات من حياتنا، نتأملها، ونتذكر ماضيها، لنبقى مرتبطين بذاك الماضي، وننقل الماضي إلى الحاضر، نعيش في كنفه.. ونحن لا نفعل ذلك تقديسا لشخص وعبادة لمعلم، وإنما نفعل ذلك، لما يحمله المعلم من معاني خالدة وتاريخ مجيد.. وإذا كنا اليوم نقيم المتاحف لنجمع فيها آثار زعماء ورجال، لم يكن لهم من مجد مقدار قلامة ظفر رسول الله فلماذا لا نفعل هذا مع تراث رسول الله؟ وإذا كنا نجمع اليوم بين الاثار، والتاريخ لتمجيد زعماء وقواد، ما يقاس فضلهم على الناس بفضل رسول الله على البشرية؟ فلماذا لا نجمع بين السيرة العطرة المرويّة، وبين آثاره في المعالم التي شهدت حياته؟ .. وإذا فعلنا ذلك، لا نكون قد خرجنا على ما استنّه الصحابة رضوان الله عليهم في هذا السبيل.. ولنأخذ من سيرة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بعض النماذج في هذا الطريق: فقد روي عن نافع أن ابن عمر كان يتبع آثار النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيصلّي في كل مكان صلّى فيه، حتى أن النبي نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصبّ في أصلها الماء لكيلا تيبس. (حياة الصحابة 2: 655) .
وقال مجاهد: كنا مع ابن عمر في سفر، فمرّ بمكان فحاد عنه، فسئل لم فعلت ذلك؟ قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل هذا ففعلت (مسند أحمد 2/ 40) .
وعن نافع أنّ ابن عمر كان في طريق مكة، يقول برأس راحلته، يثنيها ويقول: لعل خفّا بقع على خفّ- يعني خف راحلة النبي صلّى الله عليه وسلّم- (حلية الأولياء 1/ 310) .
وروت عائشة رضي الله عنها: «ما كان أحد يتبع آثار النبي صلّى الله عليه وسلّم في منازله كما كان يتبعه ابن عمر» (الطبقات 4/ 145) .
وينقل نافع وصفا لحال ابن عمر وهو يتبع آثار النبي صلّى الله عليه وسلّم فيقول: «لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر النبي، لقلت: هذا مجنون» . وعن عاصم الأحول عمن حدثه قال:
كان ابن عمر رضي الله عنه إذا رآه أحد ظنّ أن به شيئا من تتبعه آثار النبي صلّى الله عليه وسلّم. (حلية الأولياء 1/ 310) .