وأمره في الصداقة أعجب من العجب، فهو يؤاخيك ويصافيك إلى أن تظن أنه قطعة من قلبك، ثم يتحول في مثل ومضة البرق إلى عدو مبين، وهو على الرغم من ضعفه في الاضطلاع بتكاليف المواهب، رجل جذاب لأنه معسول الحديث ولأنه قد يصدق في الحب وفي البغض إلا أنه تهديه حاسة النفع إلى أن يعادي من يعادي ويصادق من يصادق كالذي صنع في طوافه بأركان الأحزاب.
ولشعوره بأن لسانه مصدر قوة يلح في الحديث وفي الإملاء إلحاحًا يترك سامعيه وقارئيه على أهبة الاقتناع بما يملي وبما يقول.
وللدكتور طه أسلوبان: أسلوب حين يملي، وأسلوب حين ينظم. أما أسلوبه حين يملي فلا يخلو من ركاكة واضطراب لأنه رهين بما في الإملاء من سرعة وإبطاء.
إن لنشر كتاب الأيام تاريخ هو تاريخ مجهول ولأنه يصور كيف رجع الدكتور طه إلى ألفاف ماضيه لينشر منه صفحات تسير مسير الأمثال من حيث لا يقصد ولا يريد.
في مطلع الربيع من سنة 1927 ثار الأزهريون وتبعهم فريق من النواب على الدكتور طه حسين لآرائه في الشعر الجاهلي واشتدت الثورة ثم رحل إلى فرنسا مع الصيف ليتناسى كروبه الداجية في ربوعها النيح.
وهناك خطر له أن يملي أشياء بعيدة كل البعد عن الشعر الجاهلي والأزهر والدين فكلفت تلك الأمالي وهي تاريخ طفولته بلا تزيين ولا تهويل.
وفي صباح يوم من أيام الخريف في سنة 1926 عرفت من الدكتور طه أنه كتب مذكراته عن حداثته وأنه قدمها للأستاذ عبد الحميد العيادي