إن بداوة الطبع التي كثر الكلام في ذمها وتجريحها لم تكن من المثالب إلا في كلام الشعوبية وهم قوم أرادوا الغض من شمائل العربية، ولولا ذلك الهجوم لبقيت من المحامد، فكيف تنكر على رجل مثلي أن يظل بدوي الطبع في زمن توارت فيه الصراحة وكثر فيه تنميق الأحاديث.
لا بد من خلاف بيني وبينك لتجد الأبحاث الأدبية والفلسفية وقودا يحيا به اللهب المقدس في حياة العقل والوجدان.
فإذا ضاق صدرك فهذه الحقيقة واكتفيت بمحاورة الرجل اللطيف الذي يقول: إن الصحراء تشكو الظمأ وإن البحر يشكو الري وإن الخير في امتزاج البحر بالصحراء. إن كان ذلك ما يرضيك فشرق في محاوته وغرب كيف شئت وكيف شاء.
2- يا دكتور طه! ما سبب الخصومة بيني وبينك؟
منذ أكثر من سبعة أعوام ألقيت محاضرة في الجامعة الأمريكية عن البحتري وسجلتها جريدة كوكب الشرق وشاء "العفريت الذي يحتل رأسي حين أخلو إلى قلمي" أن أنشر في جريدة البلاغ مقالا عنوانه: "الدكتور طه حسين يغلط خمس مرات فقط في محاضرة واحدة".
ثم لقيتني بعد ذلك في الجامعة الأمريكية وجادلتني في تلك الأغلاط فأعلنت أني أخطأت، وكان ذلك لأن الجمهور قد أحاط بنا من كل جانب ليرى كيف أدفع هجومك وما كان يجوز لي أن أصنع غير الذي صنعت لأن أدبي لا يسمح لي بمجادلتك أمام الناس ولأن وجهك يشفع لك فهو وجه لا يلقاه الرجل الحر بغير الإعزاز والتبجيل.
فما الذي صنعت أنت في تصحيح الأغلاط التي أخذتها عليك؟ مضيت