وسار بجنوده إلى أرض «فارس» ، وهو معهم، فأكثر القتل فيهم والخراب، حتى انتهى إلى «جنديسابور» ، فوضع المجانيق عليها، وثلم سورها، وغفل المتوكلون بحراسة «سابور» عنه ليلة، فلم يغلقوا الباب الّذي كان يلقى فيه طعامه، فخرج في جوف الليل، واحتال في حل وثاقه، والخروج إلى باب المدينة. فلما رآه الحرس صرخوا، فأشار إليهم أن يصمتوا، وأخبرهم باسمه، ففتحوا له باب المدينة، ودخلها، فآشتدّ سرورهم، وقويت ظهورهم، وقال لهم «سابور» : استعدّوا، فإذا سمعتم صوت ناقوس «الروم» فاركبوا خيولكم، فإذا سمعتم [1] الثانية فاحملوا عليهم.
ففعلوا ذلك، فقتلوا «الروم» أبرح قتل، وأخذوا «قيصر» أسيرا، واستباحوا عسكره وأمواله. فقال له «سابور» : إني مكافئك بما/ 325/ أوليتني، ومستحييك كما استحييتني، وآخذك بصلاح ما أفسدت، فلم يفارقه حتى حمل التراب من أرض «الشام» ، فبنى به ما هدم.
فكان مما بنى: ما ثلم من سور «جنديسابور» ، فصار بعض السور بلبن وبعضه بآجر وجصّ، وغرس مكان كل نخلة عقرها زيتونة، ولم يكن في أرض «فارس» زيتون، ثم أطلقه. وسار «سابور» إلى أرض «الروم» ، فقتل وسبى.
ثم بنى ب «السّوس» مدينة سماها: فيروز سابور، وبنى «نيسابور» ، وبنى مدينة ب «السند» ، وأخرى ب «سجستان» ، سوى أنهار احتفرها، وعقد قناطر وأنشأ قرى، وعجل عليه الهرم، وكثرت به العلل، فبعث إلى ملك «الهند» يسأله أن يبعث إليه طبيبا، فعالجه حتى اشتدّ عصبه وجلده، وقوى بصره، وهش للنساء، وأطاق الركوب، فأحسن إلى ذلك الطبيب، وأمره أن يتخير من بلاده بلدا