2 ومنذ نحو من أعوام ثمانية قدمت للمكتبة العربية هذا الكتاب «المعارف لابن قتيبة» في صورة محققة مدروسة، وكنت مسبوقا فيها بطبعتين. إحداهما في جوتنجن (سبتمبر سنة 1850 م) بعناية المستشرق «أ. ف وستنفيلد» والثانية في القاهرة (سنة 1934 م) .
وكانت هاتان الطبعتان ينقصهما الكثير من مقومات التحقيق الحق، على الرغم مما بذل فيهما من جهد، إذ كانت ثمة مخطوطات لم يرجع إليها، كما كانتا تفتقران إلى مقدمة دارسة، وشروح مبينة، وتعقيبات موضحة، ثم فهارس جامعة شاملة.
ولكن من الحق أن أذكر أن طبعة «جوتنجن» كانت أقرب الطبعتين إلى الكمال، بما التزمته من الرجوع إلى ما اعتمدت عليه من مخطوطات، وبما أضافته من كلمة قصيرة شارحة، وفهارس تعرض الرءوس لا الفروع.
وكان هذا كله الّذي أحسست أن الكتاب ينقصه ليخرج في طبعة تتفق وقدره، مما حفزنى على الأخذ في تحقيقه لأستوفى ما لم يكن قد استوفى.
وأظننى قد وفيت ذلك كله في طبعتى التي قدمتها للمكتبة العربية، فلم أترك مخطوطا لم أرجع إليه، ويسرت ما أمكنى التيسير على القارئ بعرض المقابلات وسرد الشروح والتعقيبات، وختمت الكتاب بفهارس بلغت أبوابها اثنى عشر بابا، تنتظمها صفحات تربى على المائة والخمسين، هذا إلى التقديم الوافي الّذي تناولت فيه البيئة التي نشأ فيها ابن قتيبة ومهدت لظهوره، ثم الحديث عن حياته الخاصة والعامة، ثم الحديث عن مؤلفاته، ثم الحديث عن هذا الكتاب- أعنى المعارف- وملابساته وما سبقه من نوعه وما لحقه، وما أفادته المكتبة العربية منه.
ورأيت أن أفصل هناك بين الحواشي التي للمقابلات، وبين الحواشي التي للشروح والتعقيبات، فجعلت لهذه أرقامها المستقلة ولتلك أرقامها المستقلة، ثم فصلت بينهما فصلا يرفع اللبس، فجعلت أرقام الأولى بالإفرنجية وأرقام الثانية بالعربية.