المختصر المفيد من أحكام المظاهرات السِّلميَّة

تعريف المظاهرة: هي خروج الناس إلى الشّارع لقول كلمة حقٍّ، ونصر المظلومين، ومطالبة الحاكم برفع الظلم، وإحقاق الحقِّ.

الحكم التكليفي الإجمالي للمظاهرة: المظاهرة في الأصل مشروعة؛ لأن الخروج إلى الشارع لا حرمة فيه، ومطالبة الحاكم بمطالب مشروعة هو أمر مشروع لا حرمة فيه، بل المظاهرات المعاصرة التي نراها اليوم هي فرض عين على كل مسلم قادر على الخروج.

أدلة وجوب المظاهرة السلمية: المظاهرة السلمية واجبة من عدة وجوه: فالإنسان مطالب أن يقوم بواجبه بدعوة الناس إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، سواء استجابوا أم لا، ليكون بريء الذمة بين يدي الله تعالى يوم الحساب ..

وكل ذلك واجب؛ وأدلة الوجوب:

1 - قال الله سبحانه: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا؟!! قَالُوا: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:164 - 165]. فالواجب على الإنسان أن يخرج في المظاهرة مستنكراً القتل والتعذيب والظلم والنهب والسرقة التي تقوم بها الأنظمة المستبدَّة الفاسدة، والحكام الطغاة، ولو لم يستجيبوا كعادتهم، ولكنه سيكون بريء الذمة أمام الله تعالى يوم القيامة.

2 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ}: فعل مضارع مقرون بلام الأمر، وهي من صيغ الأمر، والأمر يفيد الوجوب، فالدعوة للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض (واجب) على كل مسلم قادر ..

3 - واجب على المسلم التحلي بصفات المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]. وواجب عليه أيضاً اجتناب صفات المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67].

4 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مُنْكَراً فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» [حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد، ومسلم].

5 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم» [حديث حسن: أخرجه الإمام أحمد].

6 - عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ تَعالى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابَ لَكُمْ» [حديث حسن: أخرجه الترمذي].

7 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرْهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَذَلِكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ» [حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد، والبخاري]. فقوله: "انصر": فعل أمر، والأمر للوجوب .. والوجوب في هذا الحديث مؤكَّد من وجهين: فنصرة المظلوم واجبة، كما أن منع الظالم من الظلم واجب ..

8 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» [حديث حسن: أخرجه الإمام أحمد]. وهذا من أعظم الأدلة على وجوب المظاهرة، فالنبي عليه الصلاة والسلام صرَّح بأن السلطان جائر ومن الممكن أن يقتل مَن يواجهه بكلمة الحقِّ أو يعذِّبه، لكنه بين لنا أن قول كلمة الحقِّ هي أفضل الجهاد لما قد يترتَّب عليها من عقوبة، ولأنها تحتاج إلى شجاعة وجرأة، لا يملكها كثير من الناس اليوم!! بل لا يملكها العلماء!! الذين طالما تصدروا المجالس ليقرعوا أسماعنا بقصص التضحية في سبيل كلمة الحقِّ كقصة بلال الحبشي، وعمار بن ياسر، وأبيه، وأمُّه سُمَيَّة! رضوان الله عليهم، ثم نراهم اليوم أجبن خلق الله! بل وقاموا باسم الدِّين يخذِّلون الناس ليستروا عورتهم!! وأستثني علماء الحقِّ الربانيين، فمع قِلَّتهم إلا أن الله أيَّدهم بجرأةٍ في قول الحقَّ، ووفقهم ورفع مقامهم!!

9 - قال صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزةُ بن عبد المطلب، ورجُلٌ قام إلى إمام جائرٍ فأمرهُ ونهاهُ؛ فقتلهُ» [حديث حسن: أخرجه الحاكم في "المستدرك"]. يقرر النبي عليه الصلاة والسلام أنه من قتله إمام جائر لقول كلمة الحقِّ فهو سيد الشهداء!! أعلى مرتبة يرجوها الإنسان لنفسه عند الله تعالى!! وهي جديرة بالتضحية بالروح في سبيل الله!! والعجب ممن يجعل مرتبة:"سيد الشهداء" مفسدةً يُحرِّم بها التظاهر لقول كلمة الحقِّ!!

- ولما تركت الأمة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهر بكلمة الحقِّ، رأينا القتل والسجن والتعذيب، وانتشار الظلم، ولا عودة لرفع الظلم إلا بالمظاهرات السِّلمية، التي تعوِّض الأمَّة عن هيئة رفع المظالم وهيئة المحتسبين، وتوقف الظالم عند حدِّه، بل تخلعه إن لم يستجب!

ردود على شبهات المؤيدين للنظام

يحتجُّ مؤيدوا النظام:

1 - قول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.

2 - أن هذه فتنة وعلينا عدم الخوض فيها.

3 - المفاسد التي نراها بعد المظاهراتِ من قتلٍ وجروحٍ واعتقالٍ وتعذيب ..

4 - أن المظاهرات خروج على الحاكم، والخروج عليه حرام، فالمظاهرات حرام!!.

1 - قول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. سبب نزول هذه الآية هو ترك الجهاد!!: فعن أسلم أبي عمران التجيبي قال: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، قال: وصففنا صفاً عظيماً من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلاً، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار!! إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه, قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سراً من رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها! فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها، فأمرنا بالغزو. فما زال أبو أيوب غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله [أثر صحيح: مذكور في معظم كتب الحديث والتفسير!!]. فهذه الآية تُقال لمن ترك الجهاد!! ولمن ترك الخروج في المظاهرات لأنها من أفضل الجهاد كما مرَّ في الحديث الصحيح!! فإنَّ تَرْكَ الناس للمظاهرات يجعل الحاكم يزيد في الاستبداد والقتل والنهب .. ، وليس مَن يُقتَل في المظاهرات يرمي نفسه بالتهلكة، بل يطلب مرتبة سيد الشهداء، وسينالها بإذن الله تعالى كما نصَّ الحديث ..

فسبحان الله كيف يتكلم هؤلاء بغير علمٍ، ودون مراجعة كتب أهل العلم، بل ويقلبون الأحكام الشرعية لجهلهم!!

2 - أحاديث الفتنة التي يذكرونها صحيحة، ولكنها لا تنطبق على الأحداث التي تمرُّ بها البلاد العربية!! لأنَّ الفتنة المذكورة في الأحاديث لا يُعلَم فيها أهل الحقِّ من أهل الباطل!! أما واقعنا؛ فالقتلة الظلمة المجرمون (الحكَّام وأتباعهم) معروفون!! والظلم للشعوب واضح!! وننصحهم كالعادة بالرجوع لكتب جميع أهل العلم، وعدم تحريف معاني النصوص لإرضاء أسيادهم، وليتَّقوا الله تعالى في دينه!!

3 - مؤيدوا النظام ينسبون المفاسد كالقتل والجرح والاعتقال والتعذيب والهدم والسرقة والتخريب للمتظاهرين!! والواقع الذي نعيشه يثبتُ - وباتفاق كلِّ العقلاء - أن هذه المفاسد ناتجة عن الأجهزة الأمنية والشبيحة والمرتزقة والعملاء الخونة!! وقد رأينا أكثر من نصف مليون متظاهر في مدينة حماة، ومثلهم في دير الزور، قد تظاهروا شهراً كاملاً دون أن نرى أي مفسدةٍ!! ولمَّا دخلت العصابات الأمنية رأينا القتل والجرح وقصف المساجد وهدم البيوت ونهب الأموال والممتلكات!! فلماذا يدأب علماء السلطان ويحرصون على تبرئة الأجهزة الأمنية والشبيحة والمرتزقة والمتعاملين معهم وهم المفسدون، ونسبتها للشعب المظلوم الذي خرج مطالباً ببعض حقوقه بصدرٍ عارٍ!! هل هذا الكذب والبهتان جزء من مسلسلات الإعلام السوري الذي دخل موسوعة غينس بجدارة في مجال الكذب والتزوير والبهتان؟!! أم أنهم لا يجرؤون النطق بكلمة الحقِّ وإدانة تلك العصابات الأمنية؟!! فرأوا الأسهل لهم أن ينسبوا هذه المفاسد للضعفاء المظلومين؟!! ألم يتذكروا وقفتهم بين يدي ربهم؟!! ألا يعلمون بأنَّ الله تعالى تكفَّل بنصر كل مظلوم، وإذلال كل ظالم ومَن سانده؟!! فليهنؤوا بنصرتهم للظلمة والقتلة، ليندرجوا تحت لواء آل الأسد، في الدنيا والآخرة، كما اندرج من والى فرعون تحت لواء آل فرعون وبشارتهم: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، وليهنأ شعبنا بنصر الله، وعونه، وتأييده ..

4 - الخروج على الحاكم: هو

- 1 - مُخَالفة الْإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ،

- 2 - وَتَرْكِ الِانْقِيَادِ أَوْ مَنْعِ حَقٍّ، بِشَرْطِ:

- 3 - شَوْكَةٍ لَهُمْ (سلاحٍ)،

- 4 - وَتَأْوِيلٍ،

- 5 - وَمُطَاعٍ فِيهِمْ، قِيلَ: وَإِمَامٌ مَنْصُوبٌ ["المنهاج" للإمام النووي 1/ 424، وجميع كتب الفقه].

والمتظاهرون: لم يمنعوا الحقّ بل سُلِبَتْ حقوقهم! ولم يخرجوا مسلَّحين، بل سلميِّين!! ولم يخرجوا بتأويل!! وليس لهم قائد أو إمام منصوب!! فأين الخروج على الحاكم؟!! وأعجب ولا ينقضي عجبي من هؤلاء (العلماء!!) الذين ينشرون هذا الكلام دون الرجوع إلى كتب أهل العلم!! ولو راجعوا كتاباً ما اختلط عليهم الأمر!! ولكن .. لا نعلم أهم يجهلون ما ورد في كتب أهل العلم، وهي مصيبة!! أم يتجاهلونه مرضاةً للحكَّام، وهذه المصيبة أعظم!!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015