والسبب في ذلك يعود إلى أن علم أصول الفقه يتمتع بخاصية تميزه عن سائر العلوم.

فهو غزير في مادته، يشبع نهم المقبلين عليه، ويخاطب عقولهم، ويحث فيهم جذوة التفكير - بجانب أهميته ومكانته الرفيعة، فإذا أدرك الباحث أبعاد هذا العلم يجده متصلاً بجميع العلوم الشرعية، والعربية بمواده المتنوعة، فلا يتمكن منه دارس إلاَّ وقد حصلت له ملكة استنباط الأحكام الشرعية.

فعلم الأصول على هذا ليس كما يتصوره بعضهم، علماً محصوراً في تعريفات ومناقشات لفظية، جافاً غير آخاذ، بل هو على العكس من ذلك تماماً، يدرك ذلك علماء الأصول الذين عايشوه دراسة وتدريساً، ومما يدل على ذلك أيضاً أن العالم بالفقه والأصول يقدم على غيره في الوظائف المهمة؛ لخطورة وأهمية ما يحمله، فهو الذي يولّى أخطر منصب في الدولة الإسلامية، ألا وهو منصب القضاء؛ فالفقهاء الملمون بالأصول مقدمون على غيرهم في تولي هذا المنصب، ويفضل - من هؤلاء - العارفون بحياة الناس الاجتماعية وعاداتهم المرعية.

ومع هذه المكانة العالية لأصول الفقه، والجهود التي بذلت فيه على مر العصور إلا أن التأليف فيه قد جاء متسماً بصفة العموم والإجمال في بعض النواحي والإحالات على المواضيع التي يشبه بعضها بعضاً.

أضف إلى ذلك أن أسلوب التأليف في القديم يختلفُ عنه في الوقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015