وردنا القادسية، أتتني السوداء عنها فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية. فانصرفت إليها وأخبرتها، فلم أنسب أن سمعت صوتها وقد ارتفع بالغناء:
لما وردنا القادسيَّة حيثُ مجتمعُ الرَّفاقْ
وشِممْتُ من أرض الحجا ... زِ نسيم أنفاسِ العراق
أيْقَنْتُ لي ولمن أحبُّ بجمع شملٍ واتّفاق
وضحكتُ من فرحِ اللّقا ... ء كما بكيتُ من الفِرَاق
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله! أعيدي بالله! قال: فما سمع لها كلمة. ثم نزلنا الياسرية، وبينها وبين بغداد نحو خمسة أميال في بساتين متصلة ينزل الناس بها، فيبيتون ليلتهم ثم يبكرون لدخول بغداد فلما كان قرب الصباح، إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة، فقلت: مالك؟ فقالت: إن سيدتي ليست بحاضرة. فقلت: ويلك! وأين هي؟ قالت: والله ما أدري! قال: فلم أحس لها أثراً بعد. ودخلت بغداد، وقضيت حوائجي بها، وانصرفت إلي تميم فأخبرته خبرها. فعظم ذلك عليه، واغتم له غما شديدا، ثم ما زال بعد ذلك ذاكراً لها، واجماً عليها.