والإكثار من المشايخ وغيرها (?).
على أمه كان مِن عَادَتِهم التحمل من كلّ علماء بلدتهم، واستِقصاء
ما عندهم، ثم الرحلة إلى المدن الأخرى لإكمال السيرة العلمية ... وما مِنْ
شَك أن ابن مَنِيع أحد أولئك المحدثين الذين حَرصوا على تلقي العلم على مشايخ بلدهم، وما حَولَها، فقد سَمِع من الحسن بن سَوار، وحسين بن محمد بن بَهْرام، وشَبَابة بن سَوار، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم مِمن تقدمت وفياتهم، مِمّا يجعلنا نُؤكِّد أن أبن مَنِيع سَمِع من مشايخ بلده -مَرو الرُّوذ- ثم انتَقَل إلى البلدان المجاورة (كبَغشُور) (?) فإن في نسبه: "البَغَوي" نسبة إلى هذه المدينة "بَغْشور" ويبدو أنه قَطَنها مُدَّة طَلَبًا للعِلْم فنُسِب إليها.
استمرّ على هذه الحال .. حتى إذا ما قام عوده، واشتدّ سوقه، ونَهَل من علوم شيوخ بَلَدِه، واستوعَب ما بِجِعَابِهم، آنس من نفسه رُشْدًا، وأحسّ بالحاجة إلى الرحلة، إلى مراكز العلم الأخرى، ومنارات المعرفة في وقته، كالحرمَين الشريفَين وبغداد، والتي كانت تَحتَل مركز الصدارة في العِلم والمعرفة، يشهد لذلك كثرة رحلات كِبَار الأئمة والمُحدِّثين والعلماء إليها، للتزود من علمائها، فقد كانت تَزخر بِمُحدِّثيها، وتزدان بعلمائها، وتحتضن أعظم حركة فكرية مزدهرة، شهدها تاريخ الإسلام.
ولَما كانت -أعني بغداد- كذلك رأى ابْنُ مَنِيع لِزَامًا عليه الرحلة إلَيها، فرحل، ولزمها، واتّخذها مَوطِنًا حتى أَدْرَكَتْه المنية فيها.