أما بعد:
فإنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِّ هَدْيُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد، فإن من تشرّف بالعمل في دراسة السنّة النبوية لمدرك أن هذه السنّة التي حباها الله سبحانه وتعالى برعايته وأعلى شأنها لقادرة على أن تصمد أمام ما تواجهه من تحديات معاصرة بناها المبطلون، وأسسها وُهّان الفكر والعلم، وكان للكم الهائل من معلوماتها سبب لتوجه أهل العلم للغوص في بحارها، والبحث في مآثرها لاكتشاف ما يستطيعون من دررها ونفائسها لينفعوا به ويقدموا للمسلمين تبيانًا أكثر لتعاليم هذا الدين العظيم.
وقد تميزت أجيال الإِسلام بعدّة فضائل رفعتهم على كل الأمم، ولا أجل ميزة من حرصهم على سنة نبيّهم بحفظها، وشرحها، وجمعها، حتى عُدَّ ذلك منّة من منن الله، وفضل من فضائله على أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتوارثوا أمرهم هذا جيلًا بعد جيل، وعالمٌ بعد عالم، وسيدوم ذلك -باذن الله تعالى- حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وإذا نظرت السماء في وضح النهار فلا شك أنك مشاهد الشمس، ولو نظرت في رجال الحديث وحفّاظه فلا شك إنّك واقع على اسم نجمهم الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- فمعجبك جمعه لها، ومعجزك الكم الهائل من مؤلفاته فيها، ومدهشك دقته مع ذلك كله، ومن تلك المصنفات كتاب "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" فهو مُؤلَّف