وترى الولايات المتحدة في إسرائيل، بالدرجة الأولى، مشروعاً استثمارياً حقيقياً في الشرق الأوسط، يهدف إلى تقويض النظام الإقليمي العربي بما يخدم المشروع الأميركي نفسه لجهة قيام نظام شرق أوسطي اقتصادي أمني على أنقاض جامعة الدول العربية كنظام إقليمي عربي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

أما مصلحة إسرائيل من خلال إقامة شرق أوسط كبير، فهي إلى جانب كونها سوف تحتل حضوراً محورياً وازناً في المنطقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فإنها ستجد في المشروع حلمها التلمودي يتحقق في إقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. وأبرز الدلالات على ذلك هو الدخول الإسرائيلي اليوم بشكل مكثف إلى العراق، بحيث أنشأت إسرائيل حتى الآن ثلاث محطات أمنية للموساد الإسرائيلي: محطة في بغداد، والثانية في كركوك، والثالثة في روسيتا على الحدود العراقية القريبة من سوريا (?).

هذا بالإضافة إلى تمادي إسرائيل في مسألة تهويد الاقتصاد العراقي وكذلك الأراضي والفنادق والدور في بغداد والموصل وكركوك، وهناك العديد من الشركات الإسرائيلية لشراء الأراضي في كردستان وغيرها، الأمر الذي يساعد على تعزيز النفوذ الصهيوني الاقتصادي والأمني والسياسي في العراق كمدخل إلى الخليج وسائر الدول العربية الأخرى.

إن الحدث العراقي الحالي وما قبله الحدث الأفغاني لإشعال المنطقة والعالم اجمع في نار بدأتها أمريكا تدعوا للتساؤل حول: إلى أين وصلت أمريكا في مشروعها (الشرق الأوسط الجديد)؟

ومن هنا تكون البداية حول آلية إدراك الأحداث السياسية المحيطة، وحتى يتم إدراك الأحداث السياسية بشكل واقعي علمي لا انفعالي فلا بد أن يكون لدى السياسي معلومات عن الدولة أو الدول الفاعلة في الحدث وليس الدول المنفعلة فيه, أي لا يهم المحلل السياسي الدولة الواقعة بالحدث نفسه أو تحت تأثير الحدث بقدر ما يجب أن يقوم به الباحث السياسي من دراسة الدولة أو الدول الفاعلة في الحدث, وهذا من بديهيات التحليل السياسي (?).

ومن غنائم إسرائيل في الحرب على العراق:

فتح خط النفط من الموصل إلى حيفا المحرر، إذ تتأهّب إسرائيل للإستفادة بأكبر قدر ممكن من حرب أمريكا على العراق, ابتداء من التخلص من "عدو صائل" ممثلا في صدام حسين وإبعاد شبح التهديد بأسلحة الدمار الشامل. لكن، يبدو أن لدى الإسرائيليين أشياء أخرى تختمر في عقولهم. واحد من المؤشرات القوية التي تكشف ما لدى الكيان الإسرائيلي من "الأطماع" المخبوءة، هو ما نشر في الصحيفة العبرية هاآرتس في 31 مارس، من تلميح لوزير البنى التحتية الإسرائيلي جوزيف باريتزكاي بفتح خط أنابيب البترول مجددا، و"المنقرض" منذ فترة طويلة من الموصل إلى ميناء حيفا المطلَ على البحر الأبيض المتوسط.

ومع احتياج إسرائيل لموارد الطاقة والاعتماد على النفط الباهظ الثمن من روسيا, فإن فتح خط الأنابيب مجددا سينعش الاقتصاد الإسرائيلي بشكل ملحوظ.،واستئناف الإمدادات من الموصل إلى حيفا سيتطلب موافقة أي حكومة عراقية تظهر وعلى الأرجح الحكومة الأردنية أيضا, باعتبار أن الأنبوب من المحتمل أن يمر عبر الأردن. وزارة باريتزكاي صرحت في 9 إبريل أنها ستجري مناقشات مع المسؤولين الأردنيين على استئناف إمدادات البترول من الموصل, وقد نقل مصدر مطلع أن الأردنيين كانوا متفائلين. وذكر الوزير باريتزكاي أنه متأكد بأن الولايات المتّحدة الأمريكية سترد بصورة إيجابية على فكرة إحياء خط الأنابيب. وطبقا لمصادر دبلوماسية غربية في المنطقة, فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد ناقشت هذا مع جماعات المعارضة العراقيّة. واستنادا لمصادر دبلوماسية، فإن إدارة بوش صرحت بأنها لن تساند العقوبات الدولية ضد العراق، إلا إذا وافق خلفاء صدام على تزويد إسرائيل بالبترول (?).

كل هذه المعطيات، تشير إلى صحة النظرية القائلة بأن حرب بوش هي جزء من الخطة الرئيسية لإعادة تشكيل منطقة "الشرق الأوسط" لخدمة مصالح إسرائيل. واستشهدت صحيفة هاآرتس بقول باريتزكاي بأن مشروع خط الأنابيب مبرر اقتصاديا، لأنه "بشكل مثير سيقلّل فاتورة الطاقة الإسرائيلية"!

والمجهودات الأمريكية لحصول إسرائيل على النفط العراقي متوقعة، وفق مذكرة التفاهم لسنة 1975 (MoU), ضمنت الولايات المتّحدة ضمنت كلّ حاجات النفط لإسرائيل في حالة حدوث أزمة. ومذكرة (MoU) التي تجدد بهدوء كل خمسة سنوات, أشارت أيضا لبناء الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتخزين احتياطي استراتيجي إضافي لإسرائيل, مساوي لحوالي 3 بلايين دولار في العام 2002. القانون الخاص شُرع لإعفاء إسرائيل من القيود على صادرات النفط من الولايات المتّحدة الأمريكيّة (?).

علاوة على ذلك, وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تحويل النفط من سوقه المحلي, وضمان نقله في شاحناتها الخاصة، إذا كان المختصّون بالشحن كارهين أو غير متوفرين لحمل النفط الخام إلى إسرائيل!. ويضاف كل هذا إلى الالتزام المالي الضخم. ولدى الولايات المتحدة الأمريكية سبب آخر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015