كما ينبغي أن نقر بأن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تعتمد بصورة أساسية على تقليل الخسائر ما أمكن في صفوف قواتها، وأن سقوط الآلاف من قواتها في العراق أو في أي مكان آخر هو خط أحمر يعمل البنتاجون على عدم الاقتراب منه، فهو يعمل ـ كما هو معروف ـ على الاعتماد شبه التام على القصف الجوي والصاروخي لأهداف «العدو» الاستراتيجية، وهذا يجرنا إلى التساؤل: لماذا هذا الحشد العسكري الضخم إذن، والذي يكاد يبلغ أكثر من 150 ألف جندي أمريكي وبريطاني؟ غالب الظن أنه ـ ووفق معطيات متناغمة ـ أن هذا الحشد الأمريكي ليس مقصوداً به ضرب العراق وتغيير نظام حكمه فحسب؛ بل المقصود هو البقاء فيه لفترة طويلة تبدأ أقل تقديراتها من ثلاث سنوات، من دون تحديد للحد الأقصى لبقائها هناك، ومن ثم نقل مركز ثقل الوجود الأمريكي في المنطقة، وهذا الوضع الذي اختارته الولايات المتحدة يتوقع أن يؤدي إلى ما يأتي:
1 - تهديد جميع دول المنطقة المحيطة بالعراق من خلال الوجود الأمريكي الكثيف في العراق.
2 - تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في أسعار النفط، وكميات ضخ منظمة «أوبك»، ومن ثم فرض مزيد من الضغط السياسي على الدول المحيطة.
3 - سحب البساط من تحت أرجل الدول المؤثرة إقليمياً لصالح دول أخرى موالية كلية للولايات المتحدة؛ مما سيؤدي لاختلال توازنات قوى المنطقة، فالكبير في المنطقة يصبح صغيراً، والصغير كبيراً بفعل ارتمائه في أحضان الولايات المتحدة.
4 - تشجيع الولايات المتحدة على المضي قدماً في تقسيم الدول العربية؛ حيث لا تجد في الوقت الراهن ما يمنعها من تقسيم العراق بعد احتلاله، وهذا بالتأكيد الخطوة الأولى والمهمة لتقسيم المنطقة برمتها.