أهل الاجتهاد بما ذكرنا لم يجب قبول قوله فيما يفتى به إلا أن يكون ثقة مأمونا في دينه فإن كان بهذه الصفة وجب على العامة الرجوع إلى قوله وقبول فتياه وذكر ألفاظ أحمد في صفة المفتى كقوله في رواية صالح ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن عالما بالأسانيد الصحيحة عالما بالسنن وقال في رواية حنبل ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتى وقال في رواية يوسف بن موسى لا يجوز الاختيار إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة.
قلت الاختيار غير الإفتاء لأن الاختيار ترجيح قول على قول وقد يفتى بالتقليد المحض.
ثم ذكر ما نقله عبد الله سألت أبى عن رجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الإيمان في الطلاق وغيره وفي مصره من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوى لمن يسأل لأصحاب الرأي أو لهؤلاء أعنى أصحاب الحديث على ما هم فيه من قلة معرفتهم قال يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي ضعيف الحديث خير من رأى أبى حنيفة.
قال القاضي فظاهر هذا أنه أجاز تقليدهم وإن لم تكمل فيهم الشرائط التي ذكرنا ولم يتأول ذلك فظاهره أعنه جعلها على روايتين.
قال شيخنا قلت: قد يقال قوله أولا: لا ينبغي ليس بصريح في التحريم فيجوز أنه أراد الكراهة وقد يقال هؤلاء إنما أجاز استفتاءهم وإفتاءهم للحاجة والضرورة كما ذكرت نحو ذلك من كلامه في القضاء لما أشار على المتوكل بمن أشار لأجل الحاجة وذلك لأنه ليس في المصر إلا من يقلد أبا حنيفة أو من يقلد المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وإن كان فيه ضعف وتقليد المتبعين لهذه الآثار خير من تقليد المتبعين للرأي المعين ففيه جوزا الإفتاء والاستفتاء