واختياره أنه قد عوتب على بعضها ولو أمر بها لما عوتب عليها من ذلك حكمه في أسارى بدر وأخذه الفدية وإذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له ومنه قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} 1 فلو كان وحيا لم يشاور فيه.
قال القاضي وقد أومأ أحمد إلى صحة ما قاله أبو عبد الله بن بطة في رواية الميموني لما قيل له هاهنا قوم2 يقولون ما كان في القرآن أخذنا به قال ففي القرآن تحريم لحوم الحمر الأهلية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إلا أني أوتيت الكتاب ومثله معه" وما علمهم بما أوتى.
وأما أبو حفص العكبري فإنه ذكر في باب التسعير قوله: "لا يسألني الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني الله بها" قال هذا يدل على أن كل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فبأمر الله وبهذا نطق القرآن.
قلت كلام أحمد لا يدل إن دل إلا على القول الثاني لأنه استدل بقوله أوتيت الكتاب ومثله معه والذي أوتيه هو السنة فلم يكن عند أحمد شيء مجتهد فيه وإنما اجتهاده في الأمور الجزئية قولية أو عملية من باب تحقيق المناط وهذا لا خلاف فيه وقصة داود من هذا الباب ويجب الفرق بين الأحكام الكلية العامة وبين أحكامه الشخصية الخاصة.
وأستدل القاضي بالقياس على استدلاله بالظواهر والعموم والصواب أن يقال ان استدل بها على حكم عام فهو معصوم في ذلك وله اختصاص ليس لغيره وإن كان الاستدلال على حكم شخصي فلا فرق بينه وبين القياس وبالجملة القياس الذي نستفيد به الأحكام قطعي في حقه وظني فأما القطعي فجائز وأما الظني فهو محل التردد.