الفتوى رأسا وإن يقال فيما لم يرد فيه سمع لا مذهب له إلا الإمساك فافهم هذا الأصل فإنه يستمر على قوله في المتشابه من الآيات وظواهر الأخبار وأنها لا تفسر ولا تؤول ولا وجه للقطع بالإباحة أو الحظر مع عدم السمع وعدم قضية العقل.
قال شيخنا قلت: هذا الكلام من ابن عقيل مع ما تقدم من أن صاحب الوقف أقرب إلى الحظر لأنه يجنح عن الفتوى بالإقدام كالحاظر يقتضي أن المذهب أنه لا يقطع فيها بحظر ولا إباحة لانتفاء دليل ذلك وهو الشرع ثم هو مع ذلك إما أن يسكت كما يسكت الرجل عن الكلام فيما لم يعلم شكا أو أن يقف فيبقى الحظر والإباحة عند نفسه أو في الخارج ففرق بين أن يقال ليست عندنا محظورة ولا مباحة أو ليست في الخارج كذلك وإذا نفاهما فعنده أنه لا يأذن في الإقدام لأن الإذن إباحة وهذا تجويز منه ذهنا أن يكون في الباطن فيها مفسدة راجحة وهذا يتوجه إذا نفي حكم العقل ولم ينف صفة العقل فيقال ما نعلم أنه لا حكم للعقل بل تجوز أذهاننا أن للعقل صفة وإن لم تكن للعقل صفة إذ فرق بين نفي الدليل ونفي المدلول وبين التجويز الذهني الذي يرجع إلى عدم العلم وبين التجويز الخارجي الذي يرجع إلى وصف الذوات.
فكلام ابن عقيل مستمر إذا فسر نفي العقل بنفي دلالته لا بنفي صفة العقل وجوز جوازا ذهنيا أن يكون للعقل صفة وإن لم يثبت جوازها في الخارج فحينئذ يقال لا حظر ولا إباحة لانتفاء دليله والنقل لا يثبت ذلك ولم يعلم أيضا انتفاء أن يكون في الفعل ضرر أو ذم من الله لم نقف عليه بعقولنا ولم يكشف لنا سمع فهذا شك في ثبوت صفة الأفعال لا في علم العقل بها وقد يقال أيضا ما علمنا أن العقل يدرك ذلك فنحن لم نعلم أن للعقل صفة ولم نعلم عدم ذلك ولو كان ثم صفة فلم نعلم أن العقل يدركها أو علمنا أنه لا يدركها فيلزم من ذلك انتفاء الحظر والإباحة والتوقف في نفي الحكم مطلقا ومن لم يحكم الفرق بين نفي الأدلة ونفي المدلولات