ويقطعونني، وأُحسِن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهَلون عليّ، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لئن كان كما تقول فكأنّما تسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمتَ على ذلك)) رواه مسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بخصالٍ من الخير: (أوصاني أن لا أنظرَ إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحبّ المساكين والدُنُوِّ منهم، وأوصاني أن أصِلَ رحمي وإن أدبرت، وأوصاني لا أخاف في الله لومة لائم) رواه الإمام أحمد وابن حبان.
واصبر واحتسب، وكما قيل:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلفُ جدًّا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدًا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيِّي هويت لهم رشدًا
وليسوا إلى نصري سراعًا وإن هم
دعوني إلى نصر أتيتهم شدًّا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى
وإن قل مالي لم أكلفهم رفدًا
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
ومن أشهر قصص صلة الرحم ما كان من أمر صديق الأمة أبي بكر -رضي الله عنه- مع أحد قرابته وهو مسطح بن أثاثة الذي كان فقيرًا، فكان أبو بكر ينفق عليه، ولكن مسطحًا تكلم في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- في قصة الإفك، فماذا كان من أبي بكر نحوه؟! أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة الطويل في قصة الإفك أنها قالت: "فأنزل الله عز وجل: (إِنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ
) عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزّ وَجَلّ- هَؤُلاَءِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَىَ مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَال لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ الآية: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ، إِنّي لأُحِبّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النّفَقَةَ الّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا".
هذا هو صنيع أصحاب رسول الله مع رحمهم، وهذا دأبهم، واصلون لرحمهم حتى إن أساؤوا إليهم إساءة بهذه الدرجة فالله المستعان.
والصلة بالزيارة إنما تكون ممن قرب من محل أرحامه وأما بعيد المحل فتكون زيارته بمهاتفته , دل على فرضية صلة الأرحام الكتاب والسنة والإجماع , ومن تركها يكون عاصياً , ويستحب صلة الرحم وصلك أو قطعك فإنه قد قيل ليس الواصل من يصل من وصله وإنما الواصل من يصل من قطعه لأن مواصل المواصل بائع ومشتر، ويُستثنى من ذلك من يكون رحمه يتعاظم عليه بحيث لا يُحب أن يصله ويتضرر من حضوره له كما هو مشاهد في بعض الأغنياء لا يحبون من أرحامهم الفقراء القُرب إليهم فهؤلاء لا يُطلب من القريب الفقير صلتهم على وجه الوجوب ولا شك في إثم الغني بل هو اللئيم لأنه الذي إذا استغنى يجفو قرابته ويُنكر نسبتهم إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.