كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصل ذوي رحمه وأقاربه من غير أن يُؤثرهم على من هو أفضل منهم , ولتعلم أن أهل العلم قد اتفقوا على أن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد للأرحام الكفار مشروع باتفاق أهل العلم كالصلة بالمال وتفقد أحوالهم والنفقة والإعانة على نوائب الحق والصدقة على المسكين منهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم وكل صلة تدل على الرحمة لا المودة ويُراد بها وجه الله , واتفق أهل العلم أيضاً على أنه يُشرع قطع القريب الفاسق إذا كان في قطيعته زجر له عن الفسق وإصلاح لحاله ولا بأس بقطيعته عندئذ , واتفق أهل العلم كذلك على أنه إذا كان القريب فاسق ومن باب أولى الكافر تخشى الافتتان به وتخشى أن يضرك في دينك فيجب عليك في هذه الحال هجره وعدم صلته إلا ما كان على سبيل المداراة وخاصة إذا كان يعسر التحرَز من مقاطعته كلياً لأي سبب كان , فمن في مخالطته ضرر ديني أو دنيوي فعاشره بالمعروف حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً.

وبهذا يتبين لك أخي أنه يُشرع الإحسان إلى الأقارب غير المسلمين وصلتهم وبرهم ووصلهم بالزيارة وإدخالهم المنزل وقبول الهدية منهم وإكرامهم والإحسان إليهم والاهداء إليهم والاتصال وغير ذلك مع عدم موالاتهم ومودتهم مودة دينية , وذلك أن القريب الكافر له حق الصلة ولكن ليس له الولاية فلا تواليه وتناصره على باطله , والله تعالى إنما أثبت الولاية بين أولي الأرحام بشرط الإيمان , وذلك أن الولاية تكون بالدين، والأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد لم يكن بينهم توارث ولا ولاية.

وليُعلم أن التبسم للكافر المسالم وكذلك مُؤاكلته ومُشاربته لسبب معتبر كتأليفه للدخول في الإسلام أو لكونه ذا قرابة ورحم أمر جائز ولا حرج فيه ولكن يحذر من متابعته أو إقراره على شيء من باطله , علماً بأن مجالسة أهل المعاصي والكفر من ذوي الأرحام لا يكون إلا في وقت لا يُباشرون فيه المعصية، ويُشرع تخفيف وقت الزيارة لهم وخاصةً الذين يُخشى منهم إظهار بعض المنكرات.

ولتعلم بأن القاطع لرحمه والمُسيء لهم والجاهل عليهم تُشرع أحياناً صلته والإحسان إليه والحلم عليه ومن يفعل ذلك فهو مُحسن محمود عند الله , فالإحسان إلى الأقارب مع الإساءة منهم والصلة مع قطيعتهم مشروعة كما بينا وأنت مأجور على ذلك.

وأما الرحم المؤذي العاصي الذي يؤذي أهله فالأفضل أن يصبروا ويحلموا ويدافعوا إساءته بالإحسان عملاً بقوله تعالى) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فإن خيف حصول الأذى منه فلا بأس بتجنب لقائه في بعض الأحيان طلباً لحصول السلامة من شره دون القطيعة التامة والاكتفاء بأدنى الوصل من السلام والكلام بالهاتف وذلك أنه لا يلزم لتحقيق الصلة أن يزور الشخص أرحامه أو يجالسهم ويحادثهم بل عليه أن يفعل ما تتحقق به الصلة وفي نفس الوقت يندفع به أذاهم عنه.

وعموماً عليك أن تحافظ مع أرحامك الذين تُستحب صلتهم على الحد الذي لا تحصل به القطيعة ولا ينالك بسببهم ضرر مع محاولة إصلاحهم فإن يئست من ذلك فلا حرج حينئذ في مقاطعتهم, ولكن عليك أن تجعل هجرك لهم في الله ولله, فإن هجر أهل المعاصي والكبائر في الله – حتى ولو كانوا من الأرحام غير الوالدين - من شُعب الإيمان, وهجرهم لغير الله وهم على الفسق جائز، والأدلة عليه أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر والهجر إذا تم على وجهه الشرعي لم يكن قطعية للرحم.

شروط تشييع جنازة الكافر القريب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015