فالمسكر هو: الذي يغطي العقل ولا تغيب معه الحواس، ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم، ولذلك قال الشاعر:

ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسداً ما ينهنبهها اللقاء

والمرقد هو: الذي يغيب الحواس كالسمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس كالبنج.

أما المفسد فهو: المشوش للعقل كالحشيش والأفيون وسائر المخدرات والمفترات التي تثير الخلط الكامن في الجسد، ولذلك تختلف أوصاف مستعمليها فتحدث حدة لمن كان مزاجه صفراويا، وتحدث سباتا وصمتا لمن كان مزاجه بلغميا، وتحدث بكاء وجزعاً لمن كان مزاجه سوداويا، وتحدث سرورا لمن كان مزاجه دمويا فتجد من متناوليها من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته ومنهم من يعظم سروره وانبساطه.

فشرّاب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح. ويهجمون على بعض الأعمال التي لا يطيقونها في حال الصحو كما أشار الشاعر، أما أهل الحشيش والأفيون فيصيرون همدة ساكتين انتزعت منهم قوة البطش بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك تكثر حوادث القتل مع شراب الخمر ولا تكاد توجد مع أصحاب المخدرات إذ هذه المخدرات تحدث خنوثة الطبع وفساده، وقد تجر صاحبها إلى الدياثة على زوجته وأهله فضلا عن الأجانب.

والمسكرات محرمة إجماعا وفيها الحد، والمخدرات محرمة كذلك، وفيها الحد أو التعزير الزاجر عنها.

والمرقدات يجوز استعمالها للعمليات الجراحية. قال ابن فرحون المالكي: والظاهر جواز ما يسقى من المرقد لقطع عضو ونحوه، لأن ضرر المرقد مأمون، وضرر العضو غير مأمون. وبهذا تنفرد المرقدات عن المخدرات1.

وقال صاحب القواعد السنية في الأسرار الفقهية: اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون ولا غيرهم من علماء السلف، لأنه لم يكن في زمنهم وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة وانتشر في دولة التتار.

قال العلقمي في شرح الجامع: حكى أن رجلا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلساً حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. فأعجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015