واختلف في زيادته، فقيل إن الأنهار والعيون تمده في الوقت الذي يريده الله تعالى. وفي الحديث: «إنه من أنهار الجنة» ، وقال أهل الأثر: إن الأنهار التي من الجنة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب، ثم تمر بالبحر المحيط، وتشق فيه. قالوا ولولا ذلك لكانت أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور.

نهر الفرات: يوجد بأرض أرمينية. فضائله كثيرة، والنيل أصدق حلاوة منه، وبه من السمك الأبيض ما تكون الواحدة قنطارا بالدمشقي، وطول هذا النهر من حين يخرج من عند ملطية إلى أن يأتي إلى بغداد ستمائة وثلاثون فرسخا، وفي وسطه مدن وجزائر تعد من أعمال الفرات.

جيحون: نهر عظيم تتصل به أنهار كثيرة، ويمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، ولا ينتفع به شيء من البلاد سوى خوارزم لأنها منسفلة عنه، ثم يصب في بحيرة بينها وبين خوارزم ستة أيام، وهو يجمد في الشتاء خمسة أشهر، والماء يجري من تحت الجمد، فيحفر أهل خوارزم منه لهم أماكن ليستقوا منها، وإذا اشتد جموده مروا عليه بالقوافل والعجل المحملة، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويعلوه التراب ويبقى على ذلك شهرين.

سيحون: نهر عظيم. قيل: إن مبدأه من حدود الترك ويجري حتى يتصل ببلاد الفرغانة، وربما يجتمع مع جيحون في بعض الأماكن.

الدجلة: نهر بغداد. وله أسماء غير ذلك وماؤه أعذب المياه بعد النيل، وأكثرها نفعا. قيل: مقداره ثلاثمائة فرسخ، وفي بعض الأوقات يفيض حتى قيل إنه يخشى على بغداد الغرق منه، وهو نهر مبارك كثيرا ما ينجو غريقه.

حكي إنه وجد به غريق فيه الروح، فلما أفاق سألوه عن حاله، فأخبرهم أنه لما غلب على نفسه رأى كأن أحدا يحمله ويصعد به، وروي في الأثر أن الله تعالى أمر دانيال عليه الصلاة والسلام أن يحفر لعباده ما يستقون منه وينتفعون به، فكان كلما مر بأرض ناشده أهلها أن يحفر ذلك عندهم إلى أن حفر دجلة والفرات.

وأما الأنهار الصغار فكثيرة ولكنا نذكر منها طرفا فنقول:

نهر حصن المهدي: قال صاحب تحفة الألباب: إنه بين البصرة والأهواز، وإنه يرتفع منه في بعض الأوقات شيء يشبه صورة الفيل، ولا يعرف أحد شأنه.

نهر أذربيجان: قيل إن بالقرب منه نهرا يجري فيه الماء سنة، ثم ينقطع ثمان سنين، ثم يعود في التاسعة، وقيل إنه ينعقد حجرا ويستعمل منه اللبن ويبنى به. وقيل إن في تلك الأرض بحيرة تجف فلا يوجد فيها ماء ولا سمك، ولا طين سبع سنين، ثم يعود الماء والسمك والطين، فتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير.

نهر صقلاب: يجري فيه الماء يوما واحدا في كل أسبوع، ثم ينقطع ستة أيام.

نهر العاصي: بأرض حماة. وقيل: بحمص وهو نهر معروف. وفيه يقول بعضهم:

مدينة حمص كعبة القصف أصبحت ... يطوف بها الداني ويسعى لها القاصي «1»

بها روضة من حسنها سندسية ... تعلق في أكناف أذيالها العاصي «2»

نهر العمود: بأرض الهند عليه شجرة نابتة من حديد، وقيل من نحاس وتحتها عمود من نحاس وقيل: من حديد طوله من فوق الماء نحو عشرة أذرع وعرضه ذراع، وعلى رأسه ثلاث شعب مسنونة محدودة، وعنده رجل يقرأ كتاب الله تعالى، ويقول: يا عظيم البركة طوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود، فيدخل الجنة، وقال أهل تلك الناحية: من يريد ذلك فيصعد على تلك الشجرة ويلقي نفسه، فيتقطع.

نهر باليمن: قال صاحب تحفة الألباب: إنه عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب، وعند غروبها يجري من المغرب إلى المشرق.

نهر ببلاد الحبشة والسودان: يجري إلى المشرق يشبه النيل في زيادته ونقصانه وأرضه بها الخصب والبركة وبها شجر كالأراك يحمل ثمرا كالبطيخ داخله شيء يشبه القند في الحلاوة، ولكن فيه بعض حموضة وهذا النهر يجري في بلادهم ثمانية أشهر، ثم ينصب في البحر المحيط فسبحان من دبّر هذا التدبير، وأحكم هذه الصنعة. لا إله إلا هو الحكيم الخبير.

الفصل الثالث في ذكر الآبار

قال مجاهد: كنت أحب أن أرى كل شيء غريب، فسمعت أن ببابل بئر هاروت وماروت، فسرت إليها، فلما وصلت إلى ذلك المكان وجدت عنده بيوتا، فدخلت في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015