ومنهم من له خرطوم وذنب، ومنهم من له قرون وحوافر، وغير ذلك من الأنواع قال: فعند ذلك تعجب نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام من هذه الأشكال، وسجد شكرا لله تعالى، وقال: إلهي ألبسني هيبة من عندك، وجعل يسألهم عن طباعهم، وعن طعامهم وشرابهم، وهم يجيبونه، ثم فرقهم في الصنائع: من قطع الصخور والأحجار والأشجار والغوص في البحار، وأبنية الحصون، وفي استخراج المعادن والجواهر. قال الله تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ 39

«1» .

ونكتفي من ذلك بهذا القدر اليسير، والله المسؤول في تيسير كل عسير، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار

وفيه فصول

الفصل الأول في ذكر البحار

روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق الماء خلق ياقوتة خضراء لا يعلم طولها وعرضها إلا الله سبحانه وتعالى، ثم نظر إليها بعين الهيبة، فذابت وصارت ماء فاضطرب الماء، فخلق الريح ووضع عليها الماء، ثم خلق العرش ووضعه على متن الماء وعليه قوله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ

«2» .

واعلم أن بحر الظلمات «3» لا يدخله شمس ولا قمر، وإن بحر الهند خليج منه «4» ، وبحر اللاذقية خليج منه «5» ، وبحر الصين خليج منه، وبحر الروم خليج منه «6» ، وبحر فارس خليج منه «7» ، وكل هذه البحار التي ذكرتها أصلها من البحر الأسود الذي يقال له البحر المحيط «8» ، وأما بحر الخزر «9» وبحر خوارزم «10» ، وبحر أرمينية «11» ، والبحر الذي عند مدينة النحاس، وغير ذلك من البحار الصغار فهي منقطعة عن البحر الأسود «12» ، ولذلك ليس فيها جزر ولا مد.

وقيل سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجزر والمد، فقال: هو ملك عال قائم بين البحرين إن وضع رجله في البحر حصل له المد، وإذا رفعها حصل له الجزر «13» .

وقيل: إنما سمي البحر الأسود لأن ماءه في رأى العين كالحبر الأسود، فإن أخذ منه الإنسان في يده شيئا رآه أبيضا صافيا إلا أنه أمرّ من الصبر مالح شديد الملوحة، فإذا صار ذلك الماء في بحر الروم تراه أخضر كالزنجار، والله تعالى يعلم لأي شيء ذلك.

وكذلك يرى في بحر الهند خليج أحمر كالدم، وبحر أصفر كالذهب، وخليج أبيض كاللبن تتغير هذه الألوان في هذه المواضع، والماء في نفسه أبيض صاف، وقيل: إن تغيّر الماء بلون الأرض.

وأما ما يخرج من البحر

من السمك وغيره فقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ساحل البحر، وأمّر علينا أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نتلقىّ عير قريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها ثم نشرب عليها الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، فأشرفنا على ساحل البحر، فرأينا شيئا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه، فإذا هو دابة من دواب البحر تدعى العنبر «14» ، فأقمنا شهرا نأكل منها، ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا، ولقد رأيتنا نغترف من الدهن الذي في وقب عينيها بالقلال، ونقطع منه القطعة كالثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها، وأخذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015