وقيل: إن ولد تبع اليماني وصل إليهم لما أراد أن يصل إلى الظلمات التي دخلها ذو القرنين، وإن ولد تبع هذا كان إسمه إفريقش، وهو الذي بنى إفريقية، وسماها باسمه، وأنه وصل إلى وادي السبت، وهو واد يجري فيه الرمل كما يجري فيه السيل لا يمكن أن يدخل فيه حيوان إلا هلك، فلما رآه استعجل الرجوع، وذو القرنين لما وصل إليه أقام إلى يوم السبت، فسكن جريانه فعبره إلى أن وصل إلى الظلمات، فيما يقال والله سبحانه وتعالى أعلم.

وتلك الأمة التي لا رؤوس لهم أعينهم في مناكبهم وأفواههم في صدورهم، وهم كثيرون كالبهائم يتناسلون ولا مضرة على أحد منهم.

وأما الملك العظيم والعدل الكثير والنعم الجزيلة والسياسة الحسنة، والرخاء والأمن الذي لا خوف معه، ففي بلاد الهند وبلاد الصين، وأهل الهند أعلم الناس بعلم الطب وعلم النجوم والهندسة والصناعات العجيبة التي لا يقدر أحد سواهم على أمثالها، وفي بلادهم وجزائرهم ينبت العود وشجر الكافور، وجميع أنواع الطيب كالقرنفل والنسبل والدارصيني «1» ، والكبابة، والبسباسة، وأنواع العقاقير والأدوية، وعندهم حيوان المسك، وهو حيوان كالغزال يجتمع المسك في سرته، وعندهم حيوان الزباد وهو حيوان كالسنور يخرج منه عرق كالقطران أسود ثخين يسيل من جسده وتزيد رائحته بالتغرب بحيث تكون أذكى من المسك الأذفر، ويخرج من بلادهم أنواع اليواقيت، وأكثرها في جزيرة سرنديب، وعلى جبلها نزل آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة فيما يقال.

وحكي إنه كان ببابل سبع مدائن كل مدينة فيها أعجوبة كان في إحداها تمثال الأرض، فإذا التوى على الملك بعض أهل مملكته وامتنعوا عن القيام بالخراج خرج أنهارها عليهم في التمثال، فلا يطيق أهل تلك الناحية سد الماء حتى يعتدلوا، وما لم يسد التمثال لا يسد في ذلك البلد.

وفي الثانية حوض إذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى كل واحد بما أحب من الشراب، فصبه ذلك الحوض، فاختلطت الأشربة، فكل من سقي من ذلك الحوض كان شرابه الذي جاء به.

وفي الثالثة طبل إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب عن أهله قرعوه، فإن كان حيا سمع له صوت وإن كان ميتا لم يسمع له صوت.

وفي الرابعة مرآة إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب نظروا فيها، فأبصروه على أي حالة هو عليها، كأنهم يشاهدونه.

وفي الخامسة أوزة من نحاس، فإذا دخل الغريب صوتت الأوزة صوتا يسمعه أهل المدينة.

وفي السادسة قاضيان جالسان على الماء فيأتي الخصمان، فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضيين، ويقع المبطل في الماء.

وفي السابعة شجرة ضخمة لا تظل إلا ساقها، فإن جلس تحتها أحد أظلته إلى ألف شخص، فإذا زادوا على الألف واحدا جلسوا في الشمس كلهم.

ولو بسطت المقال في ذلك لا تسع المجال. وقد اقتصرت في ذلك على ما ذكرت والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

الباب الرابع والستون في خلق الجان وصفاتهم

روي عن الشيخ عبد الله صاحب تحفة الألباب أنه قال:

قرأت في بعض الكتب المتقدمة المأثورة عن العلماء رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما أراد أن يخلق الجان خلق نار السموم وخلق من مارجها خلقا سماه جانا، كما قال الله تعالى: وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ 27

«2» وقال الله تعالى في موضع آخر: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ 15

«3» وقيل: إن الله تعالى خلق الملائكة من نور النار، والجان من لهبها والشياطين من دخانها، وقد جاء في بعض الأخبار أن نوعا من الجن في قديم الزمان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام كانوا سكانا في الأرض قد طبقوها برا وبحرا، سهلا وجبلا، وكان فيهم الملك والنبوة والدين والشريعة، وكانوا يطيرون إلى السماء، ويسلمون على الملائكة، ويستعلمون منهم خبر ما في السماء. وكثرت نعم الله عليهم إلى أن بغوا وطغوا وتركوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015