وقال آخر:

لو عبر البحر بأمواجه ... في ليلة مظلمة باردة

وكفّه مملوءة خردلا ... ما سقطت من كفّه واحدة «1»

وقال آخر:

يا قائما في داره قاعدا ... من غير معنى لا ولا فائدة

قد مات أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة

وقال آخر:

نوالك دونه شوك القتاد ... وخبزك كالثريا في البعاد «2»

فلو أبصرت ضيفا في منام ... لحرمت الرّقاد إلى العباد

وقال آخر:

لا تعجبنّ لخبز زلّ من يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا

وقال ابن أبي حازم:

وقالوا قد مدحت فتى كريما ... فقلت وكيف لي بفتى كريم

بلوت ومرّ بي خمسون حولا ... وحسبك بالمجرب من عليم

فلا أحد يعدّ ليوم خير ... ولا أحد يجود على عديم «3»

ومن رؤساء أهل البخل محمد بن الجهم، وهو الذي قال: وددت لو أن عشرة من الفقهاء وعشرة من الخطباء وعشرة من الشعراء وعشرة من الأدباء تواطأوا على ذمي واستسهلوا شتمي حتى ينتشر ذلك في الآفاق، فلا يمتد إلي أمل آمل ولا يبسط نحوي رجاء راج. وقال له أصحابه يوما إنّا نخشى أن نقعد عندك فوق مقدار شهوتك، فلو جعلت لنا علامة نعرف بها وقت استثقالك لمجالستنا، فقال: علامة ذلك أن أقول يا غلام هات الغداء.

وقال عمر بن ميمون مررت ببعض طرق الكوفة فإذا أنا برجل يخاصم جارا له، فقلت: ما بالكما؟ فقال أحدهما:

إن صديقا لي زارني فاشتهى رأسا فاشتريته وتغدينا وأخذت عظامه فوضعتها على باب داري أتجمل بها فجاء هذا فأخذها ووضعها على باب داره يوهم الناس أنه هو الذي اشترى الرأس.

قال رجل من البخلاء لأولاده: اشتروا لي لحما، فاشتروه، فأمر بطبخه فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبق في يده إلا عظمة، وعيون أولاده ترمقه «4» . فقال ما أعطي أحدا منكم هذه العظمة حتى يحسن وصف أكلها. فقال ولده الأكبر: أمشمشها يا أبت وأمصها حتى لا أدع للذر «5» فيها مقيلا «6» قال: لست بصاحبها.

فقال الأوسط: ألوكها يا أبت وألحسها حتى لا يدري أحد لعام هي أم لعامين. قال لست بصاحبها.

فقال الأصغر: يا أبت أمصها ثم أدقها وأسفها سفا.

قال: أنت صاحبها، وهي لك زادك الله معرفة وحزما.

ووقف أعرابي على باب أبي الأسود وهي يتغدى، فسلم فرد عليه ثم أقبل على الأكل ولم يعزم عليه، فقال له الأعرابي: أما أني قد مررت بأهلك، قال: كذلك كان طريقك. قال: وامرأتك حبلى، قال: كذلك كان عهدي بها. قال: قد ولدت، قال: كان لا بد لها أن تلد. قال:

ولدت غلامين. قال: كذلك كانت أمها. قال: مات أحدهما. قال: ما كانت تقوى على إرضاع اثنين. قال: ثم مات الآخر. قال: ما كان ليبقى بعد موت أخيه. وقال:

ماتت الأم. قال: حزنا على ولديها. قال: ما أطيب طعامك. قال: لأجل ذلك أكلته وحدي وو الله لا ذقته يا أعرابي.

وقيل: خرج أعرابي قد ولّاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة، فلما كان في بعض الأيام ورد عليه أعرابي من حيه فقدم إليه الطعام وكان إذ ذاك جائعا، فسأله عن أهله وقال: ما حال ابني عمير؟ قال: على ما تحب قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015