هو وابنته شر قتلة، وليمثلن بهما أخبث مثلة.

فسار إليه أردشير في جيوشه، فقاتله، فقتله أردشير وقتل سائر خواصه، ثم سأل عن ابنته المخطوبة، فبرزت إليه جارية من القصر من أجمل النساء وأكمل البنات حسنا وجمالا وقدرا واعتدالا، فبهت أردشير من رؤيته إياها، فقالت له: أيها الملك إنني ابنة الملك الفلاني ملك المدينة الفلانية، وأن الملك الذي قتلته أنت قد غزا بلدنا وقتل أبي وقتل سائر أصحابه قبل أن تقتله أنت، وأنه أسرني في جملة الأسارى وأتى بي في هذا القصر، فلما رأتني ابنته التي أرسلت تخطبها أحبتني، وسألت أباها أن يتركني عندها لتأنس بي، فتركني لها، فكنت أنا وهي كأننا روحان في جسد واحد، فلما أرسلت تخطبها خاف أبوها عليها منك فأرسلها إلى بعض الجزائر في البحر الملح عند بعض أقاربه من الملوك.

فقال أردشير: وددت لو أني ظفرت بها فكنت أقتلها شر قتلة، ثم أنه تأمل الجارية فرآها فائقة في الجمال، فمالت نفسه إليها، فأخذها للتسري، وقال هذه أجنبية من الملك ولا أحنث في يميني بأخذها، ثم إنه واقعها وأزال بكارتها، فحملت منه، فلما ظهر عليها الحمل، اتفق أنها تحدثت معه يوما، وقد رأته منشرح الصدر، فقالت له:

أنت غلبت أبي وأنا غلبتك، فقال لها: ومن أبوك؟ فقالت له: هو ملك بحر الأردن، وأنا ابنته التي خطبتها منه، وإنني سمعت أنك أقسمت لتقتلني فتحيلت عليك بما سمعت، والآن هذا ولدك في بطني، فلا يتهيأ لك قتلي.

فعظم ذلك على أردشير إذ قهرته امرأة وتحيلت عليه حتى تخلصت من يديه، فانتهرها، وخرج من عندها مغضبا، وعوّل على قتلها، ثم ذكر لوزيره ما اتفق له معها، فلما رأى الوزير عزمه قويا على قتلها خشي أن تتحدث الملوك عنه بمثل هذا، وأنه لا يقبل فيها شفاعة شافع، فقال أيها الملك: إن الرأي هو الذي خطر لك والمصلحة هي التي رأيتها أنت، وقتل هذه الجارية في هذا الوقت أولى وهو عين الصواب لأنه أحق من أن يقال أن امرأة قهرت رأي الملك وحنّثته في يمينه «1» لأجل شهوة النفس، ثم قال أيها الملك: إن صورتها مرحومة وحمل الملك معها، وهي أولى بالستر، ولا أرى في قتلها أستر ولا أهون عليها من الغرق، فقال لها الملك: نعم ما رأيت خذها غرقها، فأخذها الوزير ثم خرج بها ليلا إلى بحر الأردن ومعه ضوء ورجال وأعوان، فتحيّل إلى أن طرح شيئا في البحر أوهم من كان معه أنها الجارية، ثم إنه أخفاها عنده، فلما أصبح جاء إلى الملك، فأخبره أنه غرّقها، فشكره على ما فعل.

ثم إن الوزير ناول الملك حقا «2» مختوما وقال أيها الملك إني نظرت مولدي، فرأيت أجلي قد دنا على ما يقتضيه حساب حكماء الفرس في النجوم، وإن لي أولادا وعندي مال قد ادخرته من نعمتك، فخذه إذا أنا مت إن رأيت، وهذا الحق فيه جوهر أسأل الملك أن يقسمه بين أولادي بالسوية فإنه إرثي الذي قد ورثته من أبي وليس عندي شيء مما اكتسبته منه إلا هذا الجوهر.

فقال له الملك: يطول الرب في عمرك ومالك لك ولأولادك سواء كنت حيا أو ميتا. فألح عليه الوزير أن يجعل الحق عنده وديعة فأخذه الملك وأودعه عنده في صندوق، ثم مضت أشهر الجارية، فوضعت ولدا ذكرا جميلا حسن الخلقة مثل فلقة القمر، فلاحظ الوزير جانب الأدب في تسميته، فرأى أنه إن اخترع له إسما وسماه به، وظهر لوالده بعد ذلك، فيكون قد أساء الأدب، وإن هو تركه بلا إسم لم يتهيأ له ذلك، فسماه شاه بور ومعنى شاه بور بالفارسية ابن ملك، فإن شاه ملك، وبور ابن، ولغتهم مبنية على تأخير المتقدم وتقديم المتأخر، وهذه تسمية ليس فيها مؤاخذة.

ولم يزل الوزير يلاطف الجارية والولد إلى أن بلغ الولد حد التعليم، فعلمه كل ما يصلح لأولاد الملوك من الخط والحكمة والفروسية، وهو يوهم أنه مملوك له اسمه شاه بور، إلى ان راهق البلوغ.

هذا كله وأردشير ليس له ولد، وقد طعن في السن وأقعده الهرم، فمرض وأشرف على الموت، فقال للوزير: أيها الوزير: قد هرم جسمي وضعفت قوتي وإني أرى أني ميت لا محالة، وهذا الملك يأخذه من بعدي من قضي له به. فقال الوزير: لو شاء الله أن يكون للملك ولد كان قد ولي بعده الملك، ثم ذكره بأمر بنت ملك بحر الأردن وبحملها، فقال الملك: لقد ندمت على تغريقها.

ولو كنت أبقيتها حتى تضع، فلعل حملها يكون ذكرا.

فلما شاهد الوزير من الملك الرضا، قال: أيها الملك إنها عندي حية ولقد ولدت وضعت ولدا ذكرا من أحسن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015