ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالهم، فكان يتمنى هداهم، فلما أنزل الله سورة النجم قال: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان عندها كلمات فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهنّ لهي التي ترتجى ... فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وتباشروا بها وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد، وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك.. فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود.. فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان في مسامع المشركين.. فاطمأنت أنفسهم- أي: المشركون- لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّثهم به الشيطان: أن رسول الله قد قرأها في السورة، فسجدوا لتعظيمهم آلهتهم.. ثم نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته، وحفظه من الفرية وقال: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ... )
إلخ، فلما بيّن الله قضاءه وبرّأه من سجع الشيطان، انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم على المسلمين، واشتدّوا عليهم..» وهناك روايات أخرى أجرأ على الافتراء، تنسب قولة.. الغرانيق تلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلل هذا برغبته- حاشاه- في مراضاة قريش ومهادنتها!!
وروايات الحادثة جميعا مرفوضة منذ الوهلة الأولى.. فهي فضلا عن مجافاتها لعصمة النبوة وحفظ الذكر من العبث والتحريف، فإن سياق السورة ذاته ينفيها نفيا قاطعا، إذ إنه يتصدّى لتوهين عقيدة المشركين في هذه الآلهة وأساطيرهم حولها، فلا مجال لإدخال هاتين العبارتين في سياق السورة بحال، حتى على قول من قال: إن الشيطان ألقى بها في أسماع المشركين دون المسلمين، فهؤلاء المشركون كانوا عربا يتذوّقون لغتهم، وحين يسمعون هاتين العبارتين المقحمتين ويسمعون بعدهما: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ