باختصار فإنّ التوجّه الأكثر أهميّة وجدوى يجب أن يتجاوز الدفاع المتشنّج إزاء كل ما طرحه الخصوم حول هذه النقطة وأن تكون في مجرى التاريخ والعقيدة الإسلامية صوب أبحاث في تكوين التاريخ والحضارة والعقيدة والشريعة، نظما وصيرورة وأعمالا بنائيّة، في هذا الجانب أو ذاك لتقدّم بذاتها القناعات الموضوعيّة التي تتهافت عندها مقولات الخصوم (?) .
ومن ثمّ، واستنادا إلى ذلك كله؛ وقع الاختيار على (وات) في واحد من كتابيه المعروفين عن محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهو (محمد في مكة) .. ولم أشأ أن أتناول الكتابين معا لسببين: أولهما: أن حجم المادة سيتضاعف ولا شك، مما لا يسمح به مجال كهذا الذي أتاحه المجلد الخاص بالمستشرقين.
وثانيهما: إني سأضطر- حينذاك- لوضع القارئ أمام حشد كبير من الشواهد والنصوص قد تمثل في جوهرها تكرارا لمعان محدّدة.. فما دام أن المنهج في الكتابين واحد، وأن الخلل الذي يعانيه هذا المنهج واحد كذلك في الكتابين، فإن التعامل مع أحدهما سيغني بالضرورة عن التعامل مع الآخر.
فهل قدر الرجل على تنفيذ أمنيته التي طرحها في مقدمة بحثه؟
قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نقوم بعرض مركّز للأدوار التي مرّت بها الحركة الاستشراقيّة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والملامح الأساسية في مناهجها، لكي نعرف على وجه التحديد موقع (مونتغمري وات) على خارطة الاستشراق، وبخاصة على مستوى (المنهج) .