إنه يجب أن نضع هذه الحقيقة في الحسبان كي لا نسبح في بحر الجزئيات المتلاطمة دون أن نعرف الحدود النهائية، والملامح الأساسية، والصورة الشاملة (لوضع البحث الاستشراقي) إزاء سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولن يرضى مسلم جاد أن يبقي عقيدته مفتوحة لدخول الريح الصفراء..
6
بما أن وقائع السيرة هي بمثابة التشكّل التاريخي والواقعي لعقيدة الإسلام: قرآنا وسنّة ورصيدا تشريعيا، وبما أنها البيئة الزمنية والمكانية لفعالية محمد صلى الله عليه وسلم النبي المبعوث عن الله سبحانه للعالم جميعا، فإنّه يصعب من الوجهة الإسلامية اعتبارها مسألة تاريخية صرفة تخضع لأساليب النقد والتحليل التي تعامل بها مراحل التاريخ المختلفة، والمناهج البشريّة النسبيّة التي تحاول أن تجعل الواقعة التاريخية مسألة مختبرية، أو معملا للتشريح..
إن السيرة، إذا اعتبرت كذلك، قاد هذا الاعتبار إلى خطأين أساسيين:
أما أولهما: فهو استحالة فهمها ما دام أنها أكبر من المناهج النسبية وأكثر شمولا، وما دامت تستعصي على أساليب النقد والتحليل المحدودة القاصرة.
وأما ثانيهما: فهو فتح الطريق أمام خصوم الإسلام لتدمير الثقة بمنطلقاته الأساسية، وأيّ منطلق، بعد القرآن الكريم، أكثر ثقلا وأكبر أهميّة من السيرة: بيئة التخلّق الإسلامي على كل المستويات، وتشكّله واكتماله؟
لذا فإنه- من الناحية المبدئية- يجب على المثقف المسلم رفض القبول النهائيّ لنتائج بحوث المستشرقين في حقل السيرة.. لأنها مهما تكن على درجة من الحياديّة والنزاهة؛ فإنها لا بدّ وأن تسقط الخطأين آنفي الذكر:
القصور عن الفهم وتدمير الثقة بأسس هذا الدين.
ولكن ما دام أن بحوث المستشرقين أمر واقع، وهي تغطي مساحات في السيرة واسعة في مجال البحث التاريخي، وتفرض ثقلها في الدوائر