السفلى من السلّم الاجتماعي بل من أولئك الذين كانوا في الوسط وأدركوا الفرق بينهم وبين أصحاب الامتيازات في الذروة، فأخذوا يقنعون أنفسهم بأنهم أقلّ امتيازا منهم، فنشأ صراع ليس بين (الملّاكين) و (المعوزين) بل بين الملّاكين والذين هم أقلّ منهم» (?) .

لا ريب أنّ اعتماد (المقاييس المادية) لفحص الدوافع التي قادت المسلمين وغير المسلمين للانتماء إلى الدين أو إلى أيّة عقيدة أو دين، أمر يرفضه واقع (التجربة) في أبعادها الشاملة الرحبة، فلم يكن البحث عن (الحق) والتشبث في الانتماء إليه أمر معدة تبحث عن طعامها، وجسد يرنو إلى الإشباع، بقدر ما هو مسألة نفسيّة معقّدة يلعب فيها الظمأ الروحي واليقين الفكري والقناعة الذاتية دورها الحاسم؛ بحيث إن سائر الأمور الآخرى، الحسّية والجسدية تظلّ (ثانوية) بالنسبة لهذه الدوافع الأساسية.

هذا على المستوى الذاتي، أما على المستوى التاريخي، فإن هذا المقياس يتعرّض للتهافت- كذلك- بمجرد إلقاء نظرة متأنية على قوائم المسلمين الأول الذين كان أكثرهم- كما يقول صالح عليّ- من التجّار ورجال الطبقة الوسطى، وممن كانت لهم عشائر تحميهم وتدفع عنهم. بل حتى وجود الحلفاء والمستضعفين في الإسلام لا ينهض دليلا على صحّة هذا الرأي؛ إذ إن هؤلاء نالوا كثيرا من الاضطهاد بسبب عقائدهم، ومنوا بكثير من الآمال إذا تركوا الإسلام، فرفضوا وأصرّوا على التمسّك بالدين الجديد، مما يدل على أن دافع العقيدة هو الذي كان يدفعهم إلى اعتناق الإسلام.. والواقع أن الروايات أشارت صراحة إلى دوافع بعضهم، فعثمان بن مظعون كان من قبل ظهور الإسلام من الباحثين عن الدين، وسعيد بن زيد بن عمرو هو ابن الرجل الذي كان حنيفا يبحث عن دين إبراهيم، وخالد بن سعيد بن العاص دان بالإسلام؛ لأنه رأى نفسه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015