فإنها تُضيف بما تقتضيه «ما» من معنى العموم أنَّ كل ما يقدِّمُهُ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الأمَّة من أمور دينها فإنها مُكَلَّفَةٌ باعتباره والسير على سُنَنِهِ، ويؤكِّدُ ذلك المعنى قوله - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} إلى قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (?).

وأما السُنَّة فقد كثرت الروايات في ذلك، وحسبنا أنْ نذكر ما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح عن المقدام بن معد كرب عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ... » الحديث. وفي رواية: «أَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» (?).

يقول الشوكاني: «إنَّ ثبوت حُجِّيتها - أي السُنَّة - واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلاَّ من لا حَظَّ له في الإسلام» (?).

وأما الإجماع فقد أجمع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - على العمل بالسُنَّة النبوية، واقتفاء هُدَى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولاً أو فعلاً أو تقريراً، وقد سبق بيان منهج أبي بكر وغيره في التثبت، وكانت حياتهم صورة حَيَّة للعمل بالسُنَّة والتمسك بها والحث عليها والترغيب فيها.

أما خصوص فعل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنَّ كلام شَاخْتْ: «كانت أفعاله تعتبر بشرية، بَحْتَةً، حتى ما مَسَّ منها أمور الدين، فكانت بهذا لا تعتبر معصومة عن الخطأ، وقد نقدت هذه الأفعال أكثر من مَرَّةٍ»! كلام مردود، لأَنَّ أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنحصر في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015