والأمثلة كثيرة على ما ذكرنا من دراساتهم لكنني سأكتفي بمثالين منها وعلى من يريد الاستقصاء الرجوع إلى كتبهم المتوفرة..
في مجموعة بحوث عن المغازي ومؤلفيها نشرت في مجلة - الثقافة الإسلامية- وهي مجلة استشراقية كانت تصدر في الهند يقول المستشرق الألماني (يوسف هوروفتس) في معرض كلامه عن موقف العلماء من الشعر:
ومن هؤلاء الفقهاء من لم يشتهر بقول الشعر ولكن اشتهر بتذوق الفن الشعري في عصره ونقده له مثل أحد الفقهاء الستة الذين ذكرهم عبيد الله - يقصد عبد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود - قال: أعني سعيد بن المسيب وهو ابن امرأة أبي هريرة وأحد أركان علم الحديث. ثم يذكر الروايات التي استند إليها في رأيه هذا فإذا بها من الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ومنها قوله:
وفي كتاب الأغاني خبر يبين إعجاب هذه الجماعات بالكلام البليغ في جميع الظروف فيروى عبد الله بن عمر: خرجت حاجا فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلام رفثت فيه فأدنيت ناقتي منها ثم قلت لها: يا أمة الله ألست حاجة أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا ثم قالت: تأمّل يا عمي فإني ممن عنى العرجي بقوله:
من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البرئ المغفلا
قال فقلت لها: مهلا فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار …
قال وبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال أما والله لو كان من بعض بغضاء العراق لقال لها: اعزبي قبحك الله، ولكنه ظرف عباد الحجاز1 ا-هـ.
ونحن لن نناقش صحة هذا الرأي عن تذوق العلماء عن الشعر وقد كان كثير منهم يتذوقه تذوق الناقد الخبير وإن كنا نقف عند قول - هورفتس -: في كل الظروف. مرتابين من مقصده؟ إلا أننا نبغي بهذا المثال الإشارة إلى نوع