فإن قيل: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد «نهى عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه؟» قيل: نهيه عن البول في الماء الدائم لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول، إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك، بل قد يكون نهيه سدا للذريعة، أو يقال: إنه مكروه بمجرد الطبع لا لأجل أنه ينجسه.

وأيضا فيدل نهيه عن البول في الماء الدائم أنه يعم القليل والكثير.

فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله فيما فوق القلتين؟ إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن حرمته فقد نقضت دليلك.

وكذلك يقال لمن فرق بين ما يمكن نزحه وما لا يمكن: أتسوغ للحجاج أن يبولوا في المصانع المبنية بطريق مكة؟ إن جوزته خالفت ظاهر النص؛ فإن هذا ماء دائم والحديث لم يفرق بين القليل والكثير إلا نقضت قولك.

وكذلك يقال للمقدر بعشرة أذرع: إذا كان لأهل القرية غدير مستطيل أكثر من عشرة أذرع رقيق: أتسوغ لأهل القرية البول فيه؟ فإن سوغته خالفت ظاهر النص، وإلا نقضت قولك.

فإذا كان النص بل والإجماع دل على أنه نهى عن البول فيما ينجسه البول بل تقدير الماء وغير ذلك مما يشترك فيه القليل والكثير كان هذا الوصف المشترك بين القليل والكثير مستقلا بالنهي، فلم يجز تعليل النهي بالنجاسة، ولا يجوز أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن البول فيه لأن البول ينجسه، فإن هذا خلاف النص والإجماع.

وأما من فرق بين البول فيه وبين صب البول، فقوله ظاهر الفساد؛ فإن صب البول أبلغ من أن ينهى عنه من مجرد البول، إذ الإنسان قد يحتاج إلى أن يبول وأما صب الأبوال في المياه فلا حاجة إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015