والثاني: ينجس قليل الماء بقليل النجاسة، وهي رواية البصريين عن مالك.
والثالث: وهو مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى اختارها طائفة من أصحابه الفرق بين القلتين وغيرهما؛ فمالك لا يحد الكثير بالقلتين والشافعي وأحمد يحدان الكثير بالقلتين.
والرابع: الفرق بين البول والعذرة المائعة وغيرها، فالأول ينجس منه ما أمكن نزحه دون ما لم يمكن نزحه، بخلاف الثاني فإنه لا ينجس القلتين فصاعدا، وهذا أشهر الروايات عن أحمد واختيار أكثر أصحابه.
والخامس: أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة سواء كان قليلا أو كثيرا، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، لكن ما لم يصل إليه لا ينجسه، ثم حدوا ما لم يصل إليه بما لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، ثم تنازعوا: هل يحد بحركة المتوضئ أو المغتسل؟ وقدر ذلك محمد بن الحسن بمسجده فوجدوه عشرة أذرع في عشرة أذرع. وتنازعوا في الآبار إذا وقعت فيها نجاسة هل يمكن تطهيرها؟ فزعم بشر المريسي أنه لا يمكن، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يمكن تطهيرها بالنزح، ولهم في تقدير الدلاء أقوال معروفة.
والسادس: قول أهل الظاهر الذين ينجسون ما بال فيه البائل دون ما ألقي فيه البول، ولا ينجسون ما سوى ذلك إلا بالتغير.
وأصل هذه المسألة من جهة المعنى: أن اختلاط الخبيث وهو النجاسة بالماء هل يوجب تحريم الجميع، أم يقال: بل قد استحال في الماء فلم يبق له حكم.
فالمنجسون ذهبوا إلى القول الأول، ثم من استثنى الكثير قال: هذا يشق الاحتراز من وقوع النجاسة فيه فجعلوا ذلك موضع استحسان، كما ذهب إلى ذلك طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد.