ومن ذلك حديث البغيّ التي سقت كلبا فغفر لها؛ فلا يقال في كل بغي سقت كلبا غفر لها؛ لأن هذه البغي قد حصل لها من الصدق والإخلاص والرحمة بخلق الله ما عادل إثم البغي وزاد عليه ما أوجب المغفرة والمغفرة تحصل بما يحصل في القلب من الإيمان الذي يعلم الله وحده مقداره وصفته.
وهذا يفتح باب العمل، ويجتهد به العبد أن يأتي بهذه الأعمال وأمثالها من موجبات الرحمة وعزائم المغفرة ويكون مع ذلك بين الخوف والرجاء كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [60/23] .
ولهذا استثنى ابن مسعود وغيره في الإيمان فكان يقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله فإن الإيمان المطلق الكامل يقتضي أداء الواجب، وأحدهم لا يعلم بيقين أنه أدى كل الواجب كما أمر. ولئن أدوا فهو فضل من الله ورحمة، فلهذا استثنوا فيه. واستثنوا في الصلاة وغيرها؛ لأنه لا يجزم بأنه أتى بها على وجهها، فيأتي بما أتى به من الخير وقلبه وجل.
وإن كان للاستثناء وجه آخر وهو خوف الخاتمة، وأن المؤمن المطلق هو أنه من علم الله أنه يموت على الإيمان الكامل.
ووجه ثالث وهو التبرك بمشيئة الله.
ومثل هذا الحديث يفيد فائدتين عظيمتين.
إحداهما: أن يعمل الإنسان مثل هذا العمل مجتهدا في تقوى الله تعالى حين يثيبه بمثل هذا الجزاء.
الثانية: أنه إذا رأى غيره من المؤمنين له من الذنوب ما يمكن أن يكون له معها مثل هذه الحسنة التي يكون صاحبها مغفورا له لم يشهد له بالنار ولم يعامله بما يعامل به أهل الكبائر؛ بل يرجو أن يرحمه الله؛ بل قد