وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [3/110] وكان يتأول ذلك في ركوعه وسجوده: أي يمتثل ما أمره به ربه.
فإذا كان سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - يستغفر ربه كيف لا يستغفر غيره ويتوب؟ وإن قيل له ذلك أبى وأخذته العزة.
ولهذا ما زال سبحانه يخاطب أهل بدر وبيعة الرضوان بالأمر والنهي والوعد والوعيد ويذكر أنه يتوب عليهم كما قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [117/9] وقد نزلت بعد عام الحديبية بثلاث سنين.
وقد كان من شأن «مسطح» الذي كان يصله أبو بكر لرحمه ما كان وهو من أهل بدر رضي الله عنهم وعده الله في قوله: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} [11/24] ، قوله: {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [15/24] ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [23/24] ، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلدهم. فقد وقع هذا البدري رضي الله عنه المغفور له في هذا الإفك العظيم؛ لكن تاب منه بلا ريب. فتبين أن قوله: «قد غفرت لكم» ، لا يمنع أن يعملوا بعد ذلك ذنوبا ويتوبون منها؛ بل لا بد أن يكون لئلا يتكلوا على الأخبار فقط بل لا بد من فعل السبب من التوبة والحسنات الماحية المتقدمة، أو غير ذلك من الأسباب كالمصائب في الدنيا أو في البرزخ أو عرصات القيامة أو يرحمهم.
وهذه الأسباب يشترك فيها من علم أنه قد غفر له ومن لم يعلم لكن قد علم أن الله يغفر للتائب ويدخله الجنة.