سورة يوسف
قال ابن القيم رحمه الله:
فصل
وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه جائز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق.
قال شيخنا رضي الله عنه: وهذه الحجة ضعيفة فإن يوسف لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال: إنه اقتص منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك. نعم تخلفه عنده كان يؤذيهم من أجل تأذي أبيهم والميثاق الذي أخذه عليهم، وقد استثنى في الميثاق بقوله: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [66/12] وقد أحيط بهم، ولم يكن قصد يوسف باحتباس أخيه الانتقام من إخوته فإنه كان أكرم من هذا وكان في ذلك من الإيذاء لأبيه أعظم مما فيه من إيذاء إخوته، وإنما هو أمر أمره الله به ليبلغ الكتاب أجله، ويتم البلاء الذي استحق به يعقوب ويوسف كمال الجزاء، وتبلغ حكمة الله التي قضاها لهم نهايتها. ولو كان [يوسف] قصد القصاص منهم بذلك فليس هذا موضع الخلاف بين العلماء؛ فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وإنما موضع الخلاف: هل يجوز له أن يسرق أو يخون من سرقه أو خانه مثل ما سرق منه أو خانه إياه؟ وقصة يوسف لم تكن من هذا الضرب نعم لو كان يوسف أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة، مع أنه لا دلالة في ذلك على هذا التقدير أيضا؛ فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، وهو أن يحبس رجل بريء ويعتقل للانتقام من غيره من غير أن يكون له جرم، ولو قدر أن ذلك وقع من