سورة النساء

فصل

قال الله تعالى في سورة النساء بعد الآية التي أمر فيها بقواعد الشريعة: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [36/4] ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [36، 37/4] ، وقال في سورة الحديد: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} إلى قوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [22، 23، 24/57] .

ففي كلا الموضعين وصف المختال الفخور بأنه يبخل ويأمر الناس بالبخل وهذا-والله أعلم- موافق ما رواه أبو داود وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من الخيلاء ما يحبها الله، ومن الخيلاء ما يبغضها الله؛ فأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل نفسه في الحرب، واختياله نفسه عند الصدقة» أو كما قال. «وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالخيلاء في البغي والفخر» فإنه أخبر أن من الخيلاء ما يحبها الله، وهي الخيلاء في السماحة والشجاعة، ولذلك قال لأبي دجانة يوم أحد لما اختال بين الصفين فقال: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن» ، ولهذا جوزنا في أحد القولين ما رويناه عن عمر من لبس الحرير في الحرب؛ لأن الخيلاء التي فيه محبوبة في الحرب كما دل عليه الحديثان؛ وذلك -والله أعلم- لأن الاختيال من التخيل والتخيل من باب التصور الذي قد يكون تصورا للموجود، وقد يكون تصورا للمفقود. فإن كان مطابقا للموجود ومحمودا في القصد فهو تخيل حق نافع. وإن كان مخالفا للموجود مذموما في القصد فهو الباطل الضار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015