وكونه يعلم مسائل لا يعلمها موسى لا يوجب أن يكون أفضل منه مطلقا كما أن الهدهد لما قال لسليمان: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [22/27] لم يكن أفضل من سليمان، وكما أن الذين كانوا يلقحون النخل لما كانوا أعلم بتلقيحه من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجب من ذلك أن يكونوا أفضل منه - صلى الله عليه وسلم - وقد قال لهم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم، وأما ما كان من أمر دينكم فإلي» وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم كانوا يتعلمون ممن هو دونهم علم الدين الذي هو عندهم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة» ومعلوم (?) رتبتهم في العلم أفضل ممن حصلت له الرؤيا الصالحة. وغاية الخضر أن يكون عنده من الكشف ما هو جزء من أجزاء النبوة. كيف يكون أفضل من نبي؟ فكيف بالرسول؟ فكيف بأولي العزم (?) .
قال ابن القيم رحمه الله: وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج حدثنا شريك عن عاصم عن أبي وائل، عن مسروق قال: دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبدا» فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا حتى دخل على عمر رضي الله عنه فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر رضي الله عنه حتى أتاها فدخل عليها فسألها ثم قال: أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرئ بعدك أحدا.
فسمعت شيخنا يقول: إنما أرادت أني لا أفتح عليها هذا الباب ولم ترد أنك وحدك البريء من ذلك دون سائر الصحابة (?) .