قد بلغنى ما هو أكثر من ذلك، فتراه فى لباسه لا يتميز من أجيره «1» ، وأما أهل كازرون وفسا وغيرهم «2» ، فهم أهل تجارات فى البرّ، وقد أعطوا من ذلك حظا جزيلا، حتى أن أحدهم ليبلغ ملكه الكثير «3» ، وهم أهل صبر على الغربة وحرص على جمع المال «4» ، وفيهم اليسار الظاهر حيثما كانوا، وما علمت مدينة فى برّ ولا بحر فيها قوم من الفرس مقيمون إلا وهم عيون تلك المدينة، والغالب عليهم اليسار واستقامة الحال والعفّة.
وأما أديانهم فإن السواحل من سيراف إلى مهروبان إلى أرّجان وأكثر الجروم الغالب عليهم مذاهب أهل البصرة فى القدر وأقلهم المعتزلة، وأهل جهرم الغالب عليهم الاعتزال، وأهل خرّة هم شيعة «5» ؛ وأما الصرود فإن شيراز واصطخر وفسا الغالب عليهم مذاهب أهل الجماعة على مذاهب أهل بغداد، والغالب على أهل فارس فى الفتيا مذهب أهل الحديث. فأما أهل الملل منهم فإن فيهم اليهود والنصارى والمجوس، وليس فيهم صابئة ولا سامرة «6» ، ولا من سائر النحل أحد ظاهر، وأكثر هذه الملل المجوس، وهم الغالبون على سائر الملل فى الكثرة، ثم النصارى ثم اليهود أقلهم، فأما كتب المجوس وبيوت نيرانهم وأديانهم «7» وما كانوا عليه فى أيام ملوكهم فإنهم يتوارثونه، وذلك فى أيديهم ويتدينون به؛ وليس المجوس ببلد أكثر منهم بفارس، لأن بها دار ملوكهم «8» وأديانهم وكتبهم.
أما طبقات الناس بفارس فإن لهم فى قديم الأيام- على ما يذكره الفرس فى كتبهم- ملوكا ملكوا الدنيا، مثل الضحّاك وجم وأفريدون فى آخرين، كانوا ملوك الأرض حتى قسم أفريدون الأرض بين بنيه، فصار ملوك الفرس سكان ايرانشهر إلى أن قتل ذو القرنين دار الملك، فصارت الممالك طوائف، حتى كان أيام أردشير فعادت المملكة إلى واحد، فما زالت فيهم يتولاها مثل سابور وبهرام وقباذ وفيروز وهرمز وسائر الأكاسرة، حتى جاء الإسلام فزال الملك عنهم، وإنما سكن بابل الأكاسرة فى آخر أيامهم، وانتقلوا من ديارهم