أحدهما: النَّدبُ لنا إلى تكلُّفِ ما لنا به طاقة.
الثّاني: النّهي عن تَكَلُّفِ ما لا نطيق (?)، والأمر بالاقتصار على ما نطيقه، وهذا أَليَق بنَسَق (?) الحديث.
وقوله: "مِنَ الْعَمَلِ" الأظهر أنّه أراد به عمل البرِّ؛ لأنّه ورد على سَبَبِهِ، وهو قول مالكٌ؛ أنّ اللَّفظَ الوارد على سببه مقصورٌ عليه.
الثّالث: أنّه لفظٌ وردَ من جِهَةِ صاحب الشَّرْعِ، فيجب أنّ يُحمَلَ على الأعمال الشرعيّة.
وقوله: "مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ" يريد -والله أعلم-: ما لكم بالمداومة به طاقة.
وقوله: "فَإنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا" قال ابنُ وَضَّاح: معناه ترك العطاء (?)، والمَلَل مِنَّا السآمةُ والعَجزُ عن الفعل، إلَّا أنّه لمّا كان معنى الأمرين التّركُ، وصفَ تركه بالملل على معنى المقابلة. وليس في هذا ما يدلُّ على أنّه يملّ العطاء إذا مللنا العمل، إلَّا من جهة دليل الخطّاب أذا عُلِّق بالغاية، وبه قال أبو بكر بن الطَّيِّب. وذكر الدّاوُدي في هذا المعنى (?) فقال: معناه أنّ الله سبحانه لا يملّ وأنتم تملّون، فالخَلْق تلحقهم السآمة والغَفْلَة والعجز، والله تعالى مُنَزَّهٌ عن ذلك.
قال ابن مسعود (?): "إِن لِهَذِهِ الْقُلُوب شَهْوَةً وإِقْبَالًا، وَإِنَّ لَهَا فَتْرَةً وَإِدبَارًا، فخُذُوهَا عِنْدَ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، وَدَعوُهَا عِنْدَ فَترَتِهَا وَإِدْبَارِهَا" (?).