حديث (?): قولُه: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يَأمُرُ بقيام رمضانَ من غيرِ أَنْ يَأْمُرَ بعَزِيمَةٍ، فيقول: "من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنْبه" (?).
الفوائد:
الأولى (?): يريد بقوله: "إيمَانًا" أي أنَّ فَرْضَهُ من عند الله، واحتِسابًا أجْره على الله. فإذا كان هذا، فإنَّ الله يُثِيبُ العَبْدَ على أمرِ الطَّاعة، وامتثالِ أَمرِهِ والتَّقَّرُّبِ إليه، كمن توضَّأ نيةً خالصةً للصّلاة، فأمّا إذا كان ذلك لغير الله، فهو كمن تَوَضَّأ تَبَرُّدًا لا يتَعَبَّد بِهِ (?) تَعَبدًا (?).
وكذلك من صام يومًا قَبلَ رمضانَ احتياطًا لمقدمة رمضان، فإنّه لا يُعتَد به. وقوله: "احتِسَابًا" فمذهبُ المنقطعينَ إلى الله تعالى أنّ معناه: يصومُه امتثالَ الأمر (?)، لا لِطَلَبِ الأجرِ.
ومَذْهَبُهُم: أنّ الإخلاص في العبادات إنّما يكونُ بأن يُطِيعَ الرَّجلُ رَبَّهُ مَحَبَّةً فِيهِ، لا يستجلبُ بذلك جَنَّةَ، ولا يدفعُ بذلك نَارًا (?). ويروُونَ في ذلك حديثًا عن عمر بن الخطّاب؛ أنّه كان يقول إذا نظرَ إلى صُهَيْبٍ: "نِعْمَ العَبد صُهَيْب، لو لم يخف الله لم يعصه" (?) وآثارًا في ذلك كثيرة.
وأنكر ذلك الفقهاء، وقالوا: لو كان ذلك لم تكن لأحد عبادة تامّة، ولولا رجاء الجَنَّة وخوف النّار ما عَبَدَ اللهَ أَحَدٌ، وهو الصّحيح عندي؛ لأنّ العبادة حظّ النّفس وخالصة منفعتها, لا يبالي البارئ عنها، إذ العبادةُ وتركها إلى جلاله واحدةٌ، ولكنّه بحِكمَتِهِ البالغة، ومشيئَتِه النَّافذَةِ, جعلَ الدُّنيا دارَ عَمَلٍ، وجعلَ الآخرةَ دارَ أَجْرٍ وجزَاءٍ.