أمّا الوسوسةُ، فدواؤها الذِّكْرَى والإقبالُ على ما هو فيه. وأمّا التَّقدُّمُ على الإمام بالمخالفة (?)، فَعِلَّةُ ذلك طَلَبُ الاستعجالِ، ودواؤه أنّ يَعلَمَ أنّه لا يسلِّم قَبْلَهُ، فَلِمَ يستعجلُ بهذه الأفعالِ؟ وفي الحديث: "أَمَا يَخْشَى الّذي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ، أنَ يُحَوِّلَ اللهُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ" (?) وليس يرادُ به عند العلماء المسخ صورةً (?)، وإنّما يريدون (?) الحمارِيَّةَ، وهو البَلَهُ، ضربَ له الحمار مَثلًا؛ لأنّه أشدَّ البهائم بَلَهًا, ولا حماريَّةَ أعظمُ من أنّ يلتزمَ الاقتداءَ مع الإمام ثمّ يخالفَهُ فيما التزم في تلك الحال، وهذا كقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَيَنْتَهِيَنّ أَقوَامٌ عن رفعِ أَبصارِهم إلى السَّماءِ أو ليَخْطِفَنَّ اللهُ أَبصَارَهُم" (?) وليس يريد بذلك إذهابها بالعَمَى (?) وإنّما يشيرُ به (?) إلى ذهابِ فائدتها من العِبرَةِ.
الفقه:
الّذي يرفعُ رأسه قبل الإمام لا تبطلُ صلاته عند مالكٌ. وقال الشّافعيّ (?) إنّ فعلَها في ركعة واحدةٍ فلا شيءَ عليه ولا بأس به، وان فعلها في ركعتين بطلت صلاته؛ لأنّها نصف صلاته، وإنّما قال ذلك لأنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نَهَى على المخالفةِ، والنّهي يقتضي فساد المنهي عنه، وخصّه مالكٌ في الإحرام والسّلام والتّكبير من الجَلْسَة الأُولى، والشّافعىّ في جميع الصّلاة.
قال الباجي (?): "ومعنى قولُه: "إنّما نَاصِيتهُ بِيَدِ شَيطَانٍ" معنى هذا الحديث: الوعيدُ لمن رفعَ رأسه أو خفضه (?) قبل إمامه، وإخبار منه أنّ ذلك من فِعْل الشّيطان.