القول الأوّل - قال قوم: هو على الوُجوبِ.
والقول الثّاني - قال قوم: إنه على الاستحباب والنَّدبِ. واحتجُّوا بما رواه مسلم (?) وانفرد به، قال: كان النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فسمع مناديًا ينادِي وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "على الفطرة"، فقال: أشهدُ أنّ لا إله إلا الله. فقال رسول الله: "خَرَجَ من النارِ"، فابْتَدرناه، فإذا هو صاحب ماشية أَدْرَكَتْهُ الصَّلاة فَصلَّى.
قال علماؤنا: فيِ هذا نكْتَةٌ بديعةٌ، فقالوا: هذا رسولُ الله يقولُ بخلافِ ما يقولُ المؤذِّن، فأين قوله: "فقُولُوا مثلَ ما يقولُ المؤذِّن" فيخرج من هذا أنّه على النَّدْب لا على الإيجاب.
وقالت طائفةُ: يقول الرَّجُل مثل ما يقول المؤذِّن، وحملوا الحديثَ على ظاهِرِه وعُمُومِه. وقالت طائفة أخرى: إنّما يقول ذلك في الشّهادتين، ويقول في موضع: حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله. على ما جاء في حديث معاوية (?)، قالوا: وهذا مُفَسِّرٌ لحديث أبي سعيد؛ لأنَّ معاوية كان إذا سمع "حيّ على الصّلاة" قال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلِىِّ العظيم.
فتأوّل علماؤنا في ذلك تأويلين:
الأوّل: أنّه إنّما كان يقول ذلك لأنَّ "لا حَوْلَ ولا قُوَةَ إلَّا بالله" هي مفتاحٌ من مفاتِح الجنَّة.
والتأويل الثّاني: أنّ معنى "حى على الصّلاة" أنّه ليس في حَوْلي ولا قُوَّتي الإتيان إلى ما يدعو إليه (?) هذا العبد، إلَّا بحَوْلكَ وقُوَّتك، وأنّ ذلك ليس من حَوْلِي ولا قوّتي، وهذا بديعٌ جدًّا.
وقال مالك: إنّما ذلك فيما يقعُ في نفسي إلى قوله أشهدُ أنّ محمدًا رسول الله،