إحداهما: أنّ طهارتهم الأصلية كانت بالماء، فنقل الله منها عند عَدَمِهَا إلى التراب الّذي هو أصل الخِلقَةِ، لتكون العبادةُ دائرةً بين قوام الحياة وأصل الخِلقَةِ.
الحكمةُ الثّانية: هي أنّ النّفسَ خَلقَها اللهُ على جِبِلَّةٍ، وهي أنّها كلما تركت عنه أعرَضَت وكَسِلَت عنه ونَفَرَت، وكلّما حدبت عليه واعتادت أَنِست به واستمرّت عليه. فلو لم يوظّف عليها عند عدمِ الماء حركةٌ من الأعضاء وإقبالٌ على الطُّهورِ، لكانت عند وجود الماء تبعد عنها العادة، فتشقّ عليها العبادة، فشرعَ لها ذلك دائمًا، حتّى يَكون أُنْسها بها قائمًا، فالخير عادةٌ، والشَّرُّ لَجَاجَةٌ.
تنبيه معنوي (?):
فإذا ثبت أنَّه قائمٌ مقام الماء، فإنّه عاملٌ عمَلَهُ في إباحة الصّلاة ورَفعِ الحَدَثِ، فإنَّ الحَدَثَ ليس بمعنى حِسِّيٍّ، وإنّما هو عبارةٌ عن المنع عن الصّلاة، فإذا تيمَّمَ وصلَّى فقد زال المانعُ وارتفع حكم الحدَثِ. وهذا هو مذهب مالكٍ - رحمه الله- الّذي لا خلافَ فيه (?). وقد قال بلفظه في كتابه" (?) الّذي هو نُخبَةُ كلامه، ولُبَابُ عِلمِه: "ولا بأسَ أن يَؤُمَّ المتيمِّمُ المتوضِّئين؛ لأنّ المتيمِّمَ قد أطاعَ اللهَ، وليس الّذي وجدّ الماءَ بأطهر منه، ولا أتمَّ صلاةً"، وهذا نصُّ كلامه.
فإن قيل: قد قيل: إنّه لا يصلِّي فَرضَان بتَيَمُّمٍ وَاحدٍ.