الماءَ طَهُورًا لا ينجِّسه شيءٌ" (?)، وهذا الحديث رواهُ سِمَاك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس (?).
فإن قيل: وكيفَ يجوزُ الوضوء بماءِ البحرِ والبحرُ هو غطاء جهنَّم، فكيف يكون ذلك مطهِّرًا؟
الجواب عنه: وذلك أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - إنّما قاله لشدة غَرَرهِ وخَطَرهِ وهَولِهِ، وعلى باب العِظَةِ به والاعتبارِ.
تنببهٌ على مقصدٍ:
قال الإمامُ: لَمَّا لم يكن هذا الحديثُ من شرطِ البخاريَّ، بَوَّبَ (?) عليه فقال: "بابُ إجابة السّائل بأكثر ممّا سألَ عنه"، وأدخلَ حديثَ ابن عُمرَ؛ سُئلَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - عَمَّا يَلبَسُ المُحْرِمُ (?)، وإنّما قصد التّنبيه على هذا الباب والحديثُ أيضًا الّذي فيه جواب السّائل بأكثرَ ممّا سألَ عنه في موضعين:
الموضعُ الأوَّل: قولُه: "هو الطَّهور ماؤُهُ" فإنّه لو قال له: نعم، لكان جوابًا على السؤال، وكان لا يقتضي جوازَ الوضوءِ بماء البحر إلَّا عند خَوْفِ العطشِ وقلَّةِ الماء، فاطلَقَ النّبىُّ - صلّى الله عليه وسلم - القولَ إطلاقًا؛ ليبيِّنَ أنّه طَهورٌ مطلَقٌ وحُكْمٌ عامٌّ.
الموضعُ الثّاني: قولُه: "الحلُّ مَيتَتُهُ" وكأنَّ النبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - فهِمَ من السّائل استنكافَ أمْرِ البحر، فأراد - صلّى الله عليه وسلم - أنّ يبيِّنَ أنّه بَرَكَةٌ كلُّهُ، ماؤهُ طَهُورٌ، ومَيتَتُه حلالٌ، وظهرُهُ مَجَازٌ، وقَعْرُهُ جواهِرُ وزمرّد.