قال الإمام الحافظ (?): وقد طال بحثي عن هذه المسألة وإتعاب خاطري فيها، حتّى مَرَّ بي رجلٌ في بعض أسفاري من أهل العِلم واللغة، كبير مشهورٌ، فقال لي: إنَّ الباء في قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (?) جاءت لفائدة، وذلك أنّ المسح يقتضي ممسوحًا وممسوحًا به، والممسوح به قد يكون آلة لاتِّصال الفعل كاليد، وقد يكون محصّلًا لمقصود المسح كالمنديل (?)، فإذا تقرَّرَ هذا، فالمعنى كما تقدَّمَ. فلو قال البارئ سبحانه وتعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (?) بإسقاط الباء، لأجزأَ المسح باليد مرورًا على الرّأس من غير ماء ولا شيءٍ، فدخلتِ الباءُ لتُفيدَ ممسوحًا به وهو الماء. فكأنّه قال سبحانه: "وامسحوا برءوسِكُم الماءَ" وهذا من باب القلب الفصيح في اللغة المستعمل في العادة، خصوصًا في المسح، قال الشاعر (?):
وَمَسَحَت باللِّثتَيْنِ عَصْفَ الإِثْمِدِ
واللَّثَّةُ هي الممسوحة بعَصْفِ الإِثمِد، فقلَب، ولكن المعنى ظاهر والفصاحة قائمة.
تكملة:
قال الشّيخُ أبو محمد (?) - رضي الله عنه -: "اختلف في معنى قوله: "بَدَأَ بمُقَدَّمِ رَأسِهِ"؟ فقيل: إنّه بدأ من حدِّ منابت الشَّعر.
وقيل: بَدأَ بنَاصِيَّتِهِ.
وكلُّ واسعٌ، والأوَّلُ أصْوَب (?)، وقد روى أشهب عن مالكٌ؛ أنَّه يبدأ من حدِّ منابتِ الشَّعر".