قال الإمام الحافظ: وفي هذا دليلٌ على أنّهم مُرَكَّبونَ من ريشٍ وجِسمً، لا كما تقولُ الفلاسفةُ: إنّهم بسائِطُ، وتقول: إنّهم يَكبُرُونَ حتّى يَملأَ أحدُهم الأُفُقَ، ويَصغُرُونَ حتّى يصيرَ أحدُهم كالرَّضِيعِ، ولذلك قال - صلّى الله عليه وسلم - لصاحبه: "كُل مِنَ القِدرِ الّذي فيه الخَضِرَات، فإنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي" (?) إشارة إلى أنّ المَلَكَ يأتيه من غير وَعدٍ، فربّما وَجَدَهُ على تلك الحالِ.
وفي بعضِ الآثارِ المُرْسَلَةِ: "إنَّ الرَّجُلَ يَكذِبُ الكَذبَةَ فيتباعَدُ عنه المَلَكُ من نَتنِ رائِحَتِه" (?) وذلك كثيرٌ في الشّريعةِ.
العلَّةُ الثانيةُ - قولُه: "فَلاَ يَقرَب مَسَاجِدَنَا" و"مَسَجِدَنَا" فذَكَرَ الصِّفةَ في الحُكمِ وهي المسجديّةُ، وذِكرُ الصِّفةِ في الحُكمِ تعليلٌ؛ لأنّ الأسماءَ الّتي عُلِّقَت عليها الأحكامُ على قسمين: أحدُهما: مشتقّةٌ، والأخرى جامدةٌ. فإذا علّقَ الحُكمَ على اسم مشتقٌّ، أفادَ الحُكمَ والعلّةَ، كقوله: أَكرِمِ العالِمَ، معناه: لِعِلمِهِ. وإذا كان الاسمُ جامدًا لم يُفِدْ إلَّا ما تفيدُهُ الإشارةُ، وهو بيان المَحَلِّ، كقولك: أَكرِم زيدًا، وعلى القسمِ الأوّلِ جاءَ قولُه (?).
وتنبني فيه مسألةٌ من الأصولِ، وهو تعلَّق الحُكم الشّرعي بعِلَلٍ كثيرةٍ، كالامتناعِ من. وطْءِ الحائضِ المُحْرِمَةِ الصّائمةِ، بخلافِ العِلَلِ العقليّةِ؛ لأنّ الحُكمَ لا يتعلَّقُ منها إلَّا بواحدةٍ.