في شروط الإمامة مكتسبٌ. اقتطعوا الأقطارَ، واقتسموا المدائن الكبارَ، وجَبَوا العُملات والأمصار، وجنّدوا الجنود، وقدَّموا القُضاة، وانتحلوا الألقاب، وكتَبَت عنهم الكُتاب الأعلام. وأنشدَهُم الشُّعراء، ودُوِّنَت بأسمائهم الدّواوين، وشَهدَت بوُجوب حقّهم الشُّهود، ووقَفَت بأبوابهم العلماء، وتوَسَّلَت إليهم الفُضَلاء، وهم ما بين مَجْبُوبٍ وبربريّ مجلوب، ومُجَنَّدٍ غير محبوب، وغُفْلٍ ليس في السَّرَاةِ بمحسوبٍ. فمنهم من يرضَى أن يسمَّى ثائرًا، ولا لحزْبِ الحق مغايرًا، وقُصَارَى أحَدِهم أن يقول: أقِيمُ على ما بيَدي حتّى يتعيّن من يستحقّ الخروج به إليه. ولو جاء عمر بن عبد العزيز، لم يقبل عليه، ولا لقي خيرًا لَدَيه، ولكنّهم استوفوا في ذلك آجالًا وأعمارًا، وخلَّفُوا آثارًا، وإن كانوا لم يُبالوا اغترارًا".
وهكذا نلحظُ أنّ عصر ملوك الطّوائف كان الوارث لِتَرِكَة الخلافة، وأنّ خَيرات ذلك العهد الغابر قد توزّعَتْه طوائف وفئات مختلِفَة الأعراق جِنْسًا ودِينًا، فقد تفرّقت دولة الأندلس أيدي سَبَأ، وقام على أنقاضها زعامات متعدِّدَة ومختلِفَة فيما بينها، وهو ما فصم الوَحْدَة السّياسيّة الّتي كانت تربط بين إقطار الأندلس وأطرافه.
ولم يخل هذا العصر من رجال مُخْلِصين لهم مواقف مُشَرِّفَة، ونلمسُ ذلك في سيرة المتوكَّل أمير بَطَليَوْس [رضي الله عنهadajoz] الّذي رفض في إباءٍ وشَمَمٍ تهديدات ألفونسو له، وطلبه بعض قلاعه وحصونه وأداء الجِزيَة، فردَّ عليه المتوكِّل برسالة قويّة ختَمَها بقوله: "إمّا نصرٌ مؤزّزٌ يُعْلِي اللهُ به شَأْنَ المسلمين،